نرفع رايات الحقوق وننسى الواجبات ولا نتذكرها إلا في مناسبات الخطابة وعرس الحناجر ومقتضيات علم الكلموجيا.
نتحدث طويلا عن حقنا في حرية الرأي أو التعبير دون أن نجهد ذواتنا بتقديم تعريف واحد للرأي أو التعبير في مجتمعات لا تعرف الفرق بين الكلام الرصين والمنطقي والمسؤول وبين (بيض الخعفق وفرخ الخعنفق) حيث نصغي طويلا للهذر المكرور ونحن نهزهز رؤوسنا بالموافقة والاستحسان والرضا والقبول.
يدغدغ مشاعرنا الكلام المغموس بالمحسنات البديعية. نخبط في عتمة الصوتيات دونما قطاف مثمر أو حصيد نافع.
****
انقلبت المفاهيم وفقد المنطق بوصلته وأضحت الأشياء تسقط إلى أعلى. فالسعي إلى نشر الفوضى وتهديد السلم الاجتماعي والتطاول واستعمال القوة والعنف ضد موظفين حكوميين ودخول عقار في حيازة الغير جرائم في نظر العدالة والقانون والمنطق ويعتبرها القضاء (خروجا عن القانون) في حين ينظر إليها البعض ولم يزل على أنها (دفاع عن القانون)! و(أوسمة شرف وفخر وعز)! و(حرب على الفساد)! في محاولة لتأسيس حياة افتراضية تجري فيها الأمور بعكس المنطق حيث لا حاكم ولا محكمة ولا قضاء، والخصم هو الحكم، وعلى المتضرر أن يلجأ إلى العدم.
****
هدمنا المباني وشيدنا المباني وغفلنا عن حقيقة المعاني. تخاصمنا وتحالفنا واختلفنا واتفقنا حول (ضرورة الديموقراطية) ولم نتحدث مرة واحدة يتيمة عن الإنسان الديموقراطي أو العقل الديموقراطي.
مشاة وركبان نخف إلى صناديق الاقتراع بعقلية الغزوات القديمة، ننشد (الغلب) ونتحدث عن الأغلبية ونجهل معنى الأقلية.
ينتخب الناخب منا بشهوة الشخص (المتفقع) الذي يبحث عن الفقع في موسمه. يطربنا العدم ونغرم بالسراب ونعشق الغموض.
نعانق الأحلام بعيدا عن الوسادة، نتبخر بالكلام الكبير فنحترق. سمواتنا مقلوبة وقواميسنا معكوسة. فتجاوز القانون فروسية، ونشر الفوضى بطولة في مدن يختلط فيها الغدو بالرواح والعشي بالصباح، والله المستعان.
www.salahsayer.com
alah_sayer@