لم يعرف الإنسان الأول كيف يتصرف مع الكوارث الطبيعية والأزمات التي تعترض حياته، فكانت ردود أفعاله تتخبط ما بين الهروب من مواجهة الأزمة بالرحيل عن المكان، أو البكاء والدعاء، أو الرقص مثلما يحدث في رقصة المطر عندما تشح الغيوم بماء السماء، أو تقديم القرابين والأضحيات إلى الآلهة. وقد تدرجت نوعية القرابين من بعض المحاصيل الزراعية إلى ذبح عجل مرورا بإزهاق الروح البشرية مثلما كان يحدث في مصر القديمة فيما يعرف بعروس النيل وهي الفتاة التي تلقى في النهر لإنهاء الأزمة وإرضاء إله الماء وجلب الخصب إلى الضفاف.
***
منذ العصور القديمة حتى اليوم تطورت البشرية كثيرا وقامت بتطوير التعامل مع الكوارث والأزمات التي كان من تعريفاتها انها «نقطة التحول التي تؤدي إلى نتائج غير مرغوب فيها في وقت يكون فيه الإنسان غير مستعد على المواجهة» فأصبح البشر، بفعل التطور، يملكون القدرة على الاستعداد للأزمة قبل حدوثها ويستعدون لمواجهتها حالما تحدث واتخاذ القرارات المناسبة. وذلك بالتخطيط والتنبؤ والبحث العلمي والتوقع والرصد واتخاذ الإجراءات الوقائية والتدريب المستمر ومحاكاة الأزمة ونشر الوعي بين الناس حول الكارثة قبل حدوثها. وأمست الدول تنشئ هيئات لإدارة الأزمات وربما تخصص حقيبة وزارية في الحكومة يحملها وزير الأزمة!
***
حقق العلم تطورات مذهلة في مواجهة الأزمات ومنها ازمة نقص المياه وذلك باستمطار الغيوم، كما تمكن الإنسان من السيطرة على الطقس والتحكم في مسار العواصف وحركة السحب. وكذلك تم تطوير مواد البناء لمواجهة كارثة الزلازل والأزمات المرتبطة بها. وفي المشافي أصبحنا نجد أقساما طبية تحمل اسم «إدارة الألم» الذي يعتبر من أقدم الأزمات على الصعيد الشخصي. كما أضحت «إدارة الأزمات» من العلوم الادارية التي يتخصص فيها الدارسون من أجل مواجهة الأزمات الإدارية. فما عاد الإنسان يواجه أزمة الجفاف بالبكاء أو الرحيل عن المكان أو يرقص رقصة المطر بل أضحى وهو جالس في مكتبه على الأرض يأمر الغيمات في السماء فتستجيب للإنسان السيد المطاع.. وتمطر.
www.salahsayer.com
@salah_sayer