ثمة خصومة مزمنة بيننا وبين الوضوح. فنحن لا نميل إلى الدقة والإيضاح في كلامنا الذي يغلب عليه الغموض والغمغمة. فالعبارات التي تجري على ألسنتنا أو تسبح في حبر أقلامنا فضفاضة مترهلة تقودها النوايا السيئة أو الجهل المدقع. فنحن، على سبيل المثال، نسوق الاتهامات بحق الأنظمة أو الحكومات العربية أو الحكام العرب وكأن المتهمين من طبيعة واحدة أو قالب واحد. فنضع الجميع في سلة واحدة. وحين نفتش في التفاصيل ندرك حقيقة الصورة المزيفة، ونكشف عورة الكلام الناقص، ونعرف أن زيدا ليس كمثل عمر. وأن الحكام في الخليج الذين يتسابقون لرفعة بلدانهم ليسوا كالحكام الذين يسوطون الناس بالقهر.
***
هيمنت هذه الضبابية على الذهنية العربية، فجعلتنا في الدول الخليجية ونحن (نتقدم) نصدق من يتهمنا بالرجعية، وقت كان هو (يتراجع) فتحت سمواتنا المقلوبة، حيث الأوصاف لا تنطبق على الموصوف، ثبت تقدم الدول التي كانت توصف بالرجعية وتراجع الدول الموصوفة بالتقدمية. كما أننا بعد فحص النسخة العربية من نظرية (المركز والأطراف) التي سعت إلى تهميش الخليج والمغرب العربي ثقافيا، اكتشفنا أن الأطراف ليست كذلك، بل هي مركز ثقافي وحضاري عجز الآخرون عن كشف مكنونه، فأطلقوا عليه وصف الأطراف وتمترسوا في ذواتهم تحت اسم المركز.
***
الغمغمة والغموض وانقلاب المعاني متجذرة في ذهنيتنا المتعبة، فرغم الخدمات الجليلة والعظيمة التي قدمتها الدول الأوروبية للمجتمعات العربية في فترات الانتداب مثل (المعمار الحديث وشق طرق ونقل خبرات الاتصالات وتشغيل الموانئ والطباعة وتحديث النقل والفنون والإدارة الحديثة)، فان اللسان العربي درج على مهاجمة الاستعمار الأوروبي حتى أمست كلمة استعمار قرينة بكراهية الدول التي مدت يد النور لتحرر المجتمعات العربية من قبضة (العثامنة) الأتراك. وليست موضة (كراهية أميركا) الدارجة هذه الأيام في بلادنا الكويت سوى عارض آخر من أعراض علة نكران الجميل.
www.salahsayer.com
@salah_sayer