تقول العرب «أوفى من السمؤال» الذي يضرب به المثل بالوفاء. والسمؤال (شموأيل أو صموئيل أو اسماعيل) زعيم يهودي رفض إعطاء درع امرؤ القيس لخصوم الأخير الذين هددوه بذبح ابنه، ولما أصر على عهده والمحافظة على الأمانة قتلوا الابن. فسارت قصته مثالا للوفاء والإخلاص وعدم الخيانة. ولليهود صفحات بيضاء في المنطقة العربية منذ ما قبل الإسلام. أما في التاريخ المعاصر للمجتمعات العربية فقد أجمعت المصادر على حسن تعامل اليهود مع الآخرين وأمانتهم وصدقهم وحرفيتهم العالية وإتقانهم للأعمال الدقيقة وميلهم للهدوء والسلم الاجتماعي. وكذلك نشاطهم المتميز في الحركة التجارية والمصرفية والفنية والأدبية وقد تركوا آثارا لم تزل ماثلة للعيان والآذان والعقول المنصفة.
> > >
هذه الصورة التاريخية الجميلة لليهود والزاخرة بالشواهد والحكايات تم تشويهها وتمزيقها وحرقها في الذاكرة العربية بعد أن تمت شيطنة الشخصية اليهودية وإطلاق آلاف الأكاذيب والإشاعات بحق اليهود حين تم التضييق عليهم وظلمهم وقهرهم في عدد من الدول العربية من أجل دفعهم إلى الهجرة إلى أرض الميعاد (إسرائيل فيما بعد) وتكفي الإشارة إلى المأساة التي حدثت لهم في العراق بما يعرف باسم الفرهود عام 1941 حين تعرض اليهود للمذابح الجماعية والاغتصاب وتعرضت منازلهم وممتلكاتهم للنهب. فكان الفرهود، ولم يزل، وصمة عار تجاهلتها الذاكرة العربية وطمستها، وكأنها لم تكن.
> > >
كبرنا وتعلمنا وقرأنا وفهمنا وسافرنا وتعرفنا على يهود كثر من سائر أصقاع الأرض ومن مختلف الجنسيات، وتعاملنا معهم في التجارة والسياسة والفنون والصناعة والإدارة، وأدركنا انهم مثل سائر البشر بمختلف صنوفهم الأخلاقية والفكرية والاجتماعية. فيهم الرديء الخسيس والطيب المفضال. وقديما قيل الإنسان عدو لما يجهل أما بعد زوال الجهل فلا سبب للعداوة. لهذا نعجب من استمرار الخصومة الافتراضية بين العرب واليهود. فالمشكلة السياسية المتعلقة بإسرائيل لا ينبغي أن تتحول إلى قطيعة حضارية أبدية بين العرب واليهود، خاصة أنه لا مشكلة لليهود مع بقية المسلمين في العالم.
www.salahsayer.com
salah_sayer@