هاجت البلاد وماجت وغمرتها سيول الكلام وفيض الإشاعات حول فضيحة الشهادات المزورة واختلطت الحقائق بالأكاذيب، وسمعنا حكايات حول حملة شهادات الدكتوراه المزورة تفوق في غرابتها حكايات ألف ليلة وليلة. وبصرف النظر عن حقيقة التزوير وحجمه، أشير إلى أن هذا الأمر المحزن يكشف لنا جانباً معطوباً شائهاً فينا.
نحن الذين شغفنا بالمظاهر وقدمناها على الجوهر. فالتزوير سلوك إجرامي قد يحدث في سائر المجتمعات الأخرى، أما حين يتسابق البعض على حمل (الدكتوراه الوهمية) فتلك ظاهرة سلبية تكشف عن عمق الزيف في المجتمع الذي حرضهم على ذلك.
****
الدكتوراه درجة علمية أكاديمية تعلن بداية طريق البحث للدارس لا نهايته (!) وتخول حاملها تدريس أو تدريب طلاب العلم في الجامعات والمعاهد العليا. وتلك تفاصيل مهنية تتعلق بمهنة الباحث، المعلم، الدكتور (لا أقصد الطبيب)، كما أنها لا تعني أن حامل هذه الشهادة حجة أو مرجعية في سائر مناشط الحياة الأخرى.
بيد أن المجتمع أضفى هالة وهمية على الدكتور (الحقيقي) بغرض التفخيم والتعظيم، فأضحينا لا نناديه باسمه بل نسبقه بلقب دكتور (!)، وأمسى الأخ يتصدر المجالس ويُدعى إلى اللقاءات الإعلامية ويصرّح ويكتب المقالات وكأنه الفارس المغوار المتوج بإكليل النصر العظيم.
****
طالت هذه الحالة الوهمية التي يعيشها المجتمع (العربي) بعض حملة شهادة الدكتوراه الأكاديمية، فأصبحوا يزينون أسماءهم بحرف الدال خارج أسوار الجامعات، وأمست الأجهزة الإعلامية تؤكد هذه الصفة (دكتور)، وراح بعضهم يلصقها قبل اسمه عند مدخل منزله الخاص. وتفشت في البلاد (حمى الدكترة) وطفق زيد يسابق عمر على حيازتها.
ومن لم ينلها بالعلم نالها بالوهم حين جرفت هذه الحالة (التفخيمية) بعض الناس إلى الحصول على شهادات دكتوراه وهمية، ليتبين لنا أن التهمة تتعدى الأفراد إلى المجتمع المتهافت على المظاهر.
www.salahsayer.com
salah_sayer@