أشير إلى فترة سابقة قريبة جدا، وتفاصيلها معروفة محفوظة.
فبعد ان قام جمال عبدالناصر بسجن سيد قطب ثم إعدامه سارع، دون وعي، إلى تهيئة الدروب ورصفها لعبور الأفكار القطبية إلى المجتمع، كي لا يقال عن الحاكم انه «عدو الدين»! وجهل ذلك الحاكم ان خطورة قطب تكمن بأفكاره السياسية الدينية عن «الحاكمية» لا في جسده الهزيل.
وكان ينبغي أن يحدث العكس وإطلاق سراح السجين المغلوب على أمره، وتنفيذ حكم الإعدام بأفكاره «السيادينية» التي تتعارض مع مفهوم الدولة الحديثة مثلما فعل ضابط تركي عظيم يدعى مصطفى كمال اتاتورك انتشل بلاده من تحت ركام الدولة العثمانية.
****
ليس عبدالناصر وحده فجميع الحكومات العربية حذت حذوه وتسابقت، دون وعي أو فهم، إلى توسعة الدروب وتمهيدها لشيوع الأفكار السيادينية بين الأفراد سواء في التلفزات أو الإذاعات أو الصحف وسائر الميادين والمدارس حتى استقر في عقول البعض وامتزج بعقيدتهم الإيمانية فكرة «الحاكمية» وان الدولة «الوطنية» الراهنة مؤقتة وزائلة.
اما الدولة الدينية فحتمية وقادمة لتبقى. والشاهد نتائج صناديق الاقتراع في أي دولة أو مدينة أو قرية عربية حيث الفوز للشعار الديني الذي يعد الناخبين بتطبيق الحاكمية التي تحدث عنها سيد قطب ومن سار على دربه.
****
(نحن في دولة مدنية والقول بأن مرجعية الدولة التونسية هي مرجعية دينية خطأ وخطأ فاحش) هكذا تحدث فخامة رئيس جمهورية تونس بصراحة ووضوح مع الشعب التونسي حول قضية الميراث، فاختار موقعا مناقضا للفكر السياديني وفعل ما لم يفعله عبدالناصر.
وذلك ما ينبغي تكراره في دول عربية اخرى جرفت مجتمعاتها سيول السنوات الماضية إلى مفاهيم شائهة لا علاقة لها بالدولة الحديثة، مثلما لا علاقة لها بالدين الحنيف. اما اذا استمر حال «الدولة المسخ» على ما هو عليه. فلا داعي للثورات أو الثورات المضادة. فجحا الإخوان أولى بلحم ثوره.
www.salahsayer.com
salah_sayer@