لا مراء في ان للبحث العلمي وتطبيقاته التكنولوجية دورا ضليعا في تطور ورفاهية المجتمعات.
وعليه، يمكن اعتبار إجراء البحوث العلمية مقياسا لتقدم الدول ونموها الاجتماعي والاقتصادي والصناعي، فالدول التي تخطط لتطبيقات مخرجات البحث العلمي، لا غرو أنها تتبوأ الصدارة في مجالات عديدة بل وقد تسيطر على مجريات الأمور العالمية.
يرتبط البحث العلمي وتطبيقاته بالتنمية الوطنية والإعمار ارتباطا وثيقا لا يمكن فصله، إذ ان الدول المتقدمة صناعيا بارعة في ترسيخ هذا التزاوج والاستفادة منه لأقصى مدى.
على ضوء ما سبق نرى ان الدول المتقدمة لا تخطو خطوة في أي مجال إلا بعد دراسة مستفيضة وبينة، وهذا ما يجعلها مستقرة اجتماعيا واقتصاديا وعلميا، او بمعنى آخر ان البحث العلمي يشكل جزءا لا يتجزأ من منظومة تنميتها الشاملة، وعلى نقيض ذلك نجد ان حال الدول النامية ترتجل لا منهجيا الحلول للمشاكل التي تواجهها والتي تكون بعيدة جدا عن الأسلوب العلمي الموضوعي.
لا جرم ان مشكلة او التحدي في توجيه البحث العلمي الى أغراض التنمية في الدول النامية تنبع من ان التنمية وحتى مفهوم التنمية في هذه المجموعة ما زالت تحبو أو ان التخطيط لها يتم بطرق ووسائل عشوائية او ارتجالية او مقلدة لنموذج من الدول الصناعية المتقدمة، والذي قد لا يكون موائما لهذه المجتمعات، وفي دول اخرى لا يكترث صانعو القرار السياسي بذلك.
لذا تنتكس أنشطة البحث العلمي في هذه المجتمعات نتيجة لهذا التخبط أو غياب التخطيط لتغدو ممارسات ونتائج الجهود لا تمس أو تنبع من أو تتواكب مع احتياجات المجتمع وأسس التنمية، وقد لا ينظر اليها كأبحاث علمية رصينة أو ذات مردود اجتماعي واقتصادي، كما قد يتساءل البعض عن أهمية مؤسسات البحث العلمي لمجتمعاتها وقد يعلل بعض الباحثين بأن مثل هذا التجافي والتباعد بين البحث العلمي والتنمية في الدول النامية تنجم عنه أبحاث ليست ذات صلة بالتنمية الوطنية، إذ يسعى من خلالها الباحثون النشر في دوريات علمية عالمية بغرض الترقية او بغرض حضور محافل علمية عالمية، ليس إلا.
فالبحث العلمي هو الدراسة العميقة والحقيقية لمشكلة من المشكلات التي تواجه المجتمع وقطاعاته المختلفة في اي ميدان من ميادين العلوم الطبيعية والتكنولوجية والهندسية والطبية وفي اي فرع من فروع المعرفة الإنسانية وذلك باتباع أساليب علمية مقننة، معتمدة على التخطيط والمنهجية العلمية الصائبة.
وحري بالذكر ألا تقتصر أنشطة البحث والتطوير والدراسات العلمية على قطاعات علمية بحتة مثل: البترول، البيئة والتلوث والمياه، إلخ. إذ ان مشاكل اجتماعية أخرى مثل انتشار المخدرات، وجنوح الأحداث، والطلاق والعنوسة، الخ.. لهي من أمور تهم صانع القرار السياسي على حد سواء.
يواجه البحث العلمي والتطور التكنولوجي، كأي نشاط علمي يتطلب رصد الموارد وحشد الطاقات، العديد من المشاكل والعقبات التي قد تحدّ من انطلاقه وتحقيق ما يتوخى منه على الوجه الأكمل، وقد تتباين هذه المعوقات بين الدول المتقدمة والنامية، او حتى بين مجموعة من الدول.
ونسرد فيما يلي بعضا من هذه المعوقات:
- عدم تطابق برامج الأبحاث وتطويرها لمواكبة متطلبات التنمية الشاملة.
- انعدام أو ضعف التفاعل بين الجامعات والمعاهد التطبيقية ومؤسسات الأبحاث.
- غياب التعاون بين قطاع الإنتاج والخدمات ومؤسسات الأبحاث.
- غياب التنسيق أو التنظيم الداخلي بين مؤسسات الأبحاث ومؤسسات التمويل، وقد ينعكس ذلك سلبا على مؤسسات التمويل وذلك بالدعم السخي لبرامج غير ذات أولوية للتنمية الشاملة.
- غياب المناخ السياسي الملائم والمشجع للعلم والتكنولوجيا والبحث العلمي.
- عدم إلمام أو مشاركة القائمين بالبحث العلمي بخطط التنمية الوطنية.
- اعتماد المعايير السياسية والاجتماعية لتعيين القائمين على مؤسسة الأبحاث دون الاهتمام الفعلي بالجوانب الأكاديمية والخبرة والتخصص، مما يحد من تطور هذه المؤسسات إذ ان تعيين المناصب الأخرى في داخل المؤسسة قد يتم بذات الأسلوب.
- عدم وجود سياسة معلنة للبحث العلمي.
- عدم اختيار فريق البحث أو الباحث لموضوعات مرتبطة بالمجتمع.
- في كثير من المجتمعات، لاسيما النامية، لا تستأثر مؤسسات البحث العلمي بدعم المجتمع، أو بالأحرى للعديد من قطاعات المجتمع.
- تعاني العديد من المؤسسات العلمية من غياب الاستقرار التنظيمي والتغيرات المتلاحقة والمتعاقبة في مواقعها وتبعيتها.
ويجب ان يتيقن صانعو القرار السياسي ومتخذو القرارات في مجتمعاتنا العربية والإسلامية الى أهمية دور المرأة في عملية التنمية الشاملة، وانها ركن ركين لتحقيق الأهداف التنموية المستدامة، وان تعتبر المرأة أخت الرجال وعمودا مهما وركيزة أساسية لهذه الأهداف، وعليهم ان يقروا بأن للمرأة في جميع التخصصات والمجالات بؤرة تتفجر منها الإبداع والابتكار متى أعطيت الفرصة وفتح لها المجال لذلك.
والممحص لمسيرة العلوم والتكنولوجيا والبحث العلمي في مجتمعاتنا يرى ان المرأة قد ساهمت مساهمة فاعلة في تحقيق برامج التنمية المستدامة وفي تحقيق تطلعات وآفاق التنمية الاقتصادية الوطنية لمجتمعها.
[email protected]