تفاقمت في السنوات الماضية ظاهرة الفساد وانتشرت في معظم بقاع المعمورة مشرقها ومغربها، شمالها وجنوبها، غنية كانت أو فقيرة بواسطة المسؤولين وذوي النفوذ والتجار وحتى متوسطي الدخل وأعضاء البرلمانات.
وتمثل الفساد في أمور شتى ومناح مختلفة من غسيل للأموال وتجارة للمخدرات وسوق النخاسة والعمولات والرشى للحصول على مناقصات أو شراء ولاءات ومن تحويل لأموال داخل أو خارج الدولة ومن توزيع أراض وعقارات وحيازات صناعية وزراعية.. إلخ، ولقد نجم عن ذلك هتك عرض المال العام وتخصيصه لثلة محدودة ورهط مطاوع وزمرة فاسدة، وكذلك زيادة الاحتقان الاجتماعي للتفريط في حقوقهم المادية وتوزيعها كهبات ومسكنات، ولقد قاد التقدم في تطور نظم المعلومات والحاسوب الى سهولة تحريك الأموال وانتقالها.
وبالكاد تكاد تسمع عن محاولة للتصدي لذلك، اما لمشاركتهم في هذه العملية واما لعدم رغبتهم في كشف المستور والسارقين والعابثين والناشرين في الأرض فسادا، لم؟ لأن ذلك سيؤدي الى تبين تورطهم في ذلك، كما افاد اقارب احد النصابين بأنه اذا اقتيد آباؤهم للمحاكمة (فسنكشف المستور).
الا انه و«وان خليت خربت» فلقد تصدى رئيس تنزانيا الحاصل على دكتوراه في الكيمياء جون ماجوفولي لهذه المعضلة في بلده، وتجرأ وعزم على اتخاذ اجراءات صارمة لاجتثاث الفساد في تنزانيا كقاهر للفساد والعبث في تنزانيا وعلى النحو التالي:
٭ طرد من الخدمة عشرة آلاف موظف بسبب التزوير.
٭ إقالة مسؤولين بارزين في الدولة وعلى رأسهم رئيس جهاز مكافحة الفساد، ورئيس مصلحة الضرائب ورئيس هيئة الموانئ.
٭ منع الاحتفالات الرسمية في يوم الاستقلال للحد من الهدر المالي وتحويل التكلفة لمكافحة الكوليرا.
٭ خفض عدد الوزراء من 30 إلى 19 وزيرا، على ان يقدموا كشوفات عن ذممهم المالية وتوقيع على إقرار وتعهد بالنزاهة.
٭ منع سفر المسؤولين على الدرجة الأولى بالطائرات.
٭ زار المستشفى الرئيسي وبصورة مفاجئة حين وجد نقصا في المعدات وافتراش المرضى للأرض حيث عزل جميع المسؤولين في المستشفى وحدد اسبوعين للادارة الجديدة للاصلاح، الا انهم وعندما رأوا ان الحديدة حامية أصلحوا الأمور في ثلاثة أيام.
٭ خفض ميزانية افتتاح البرلمان من 100 ألف دولار الى 7 آلاف، ودخول بقية المبلغ لتطوير المستشفى الرئيسي.
٭ أرسل رئيس الوزراء في زيارة مفاجئة لميناء السلام حيث اكتشف تجاوزات ضريبية واختلاسات بلغت 40 مليون دولار فأحال جميع المسؤولين الى التحقيقات الجنائية.
٭ عرض مركبات الدولة الفاخرة للمزاد العلني واستبدلها بسيارات أرخص.
٭ أصدر عقوبات بحق الموظفين الغائبين عن العمل.
٭ خفض عدد مساعدي الوزراء، وهدد بعزل من يرفض التعاون مع لجنة مكافحة الفساد.
فالمسألة، ليست بمبدأ «عفا الله عما سلف» أو بوجود الفساد، بل تكمن المعضلة، لا ريب في الرغبة في اجتثاثه.
وأود في هذا الصدد ان اشير الى مقالة للأستاذ الزميل د.محمد المقاطع لذات الشأن في الكويت وبعنوان «العظم المنخور والأمل المبتور» نشرها في جريدة «القبس» قبل اسبوعين: وهكذا آلت أوضاع معظم مؤسسات الدولة لتصير هياكل مثل الاطلال بناؤها ربما شامخ خارجيا لكنه من الداخل خواء، بل لقد وصل الفساد والافساد لمرحلة أن صارت عظام العديد من مرافق الدولة ناخرة وهشة وعلى شفا الانهيار، فالحكومة لا تملك مقومات الادارة ومتطلباتها حتى ينتظر منها احداث التغيير واعادة الأمر الى نصابه، ومجلس أمة مهترئ منذ الثمانينيات اذ بلغ اوجه في مجلس 2013، والمجلس الحالي أيضا تابع وأداة للتمثيل على إرادة الناس بدل تمثيلها، وسيكمل سنوات عجاف قد يهوي بالبلد الى قاع لا يرجى من بعده قيام.. فالأمل مبتور.
فاعتبروا يا أولي الأبصار.
[email protected]