[email protected]
غيّب الموت وأنا في حج هذا العام أستاذي ومعلمي داود سليمان الخشتي أبا سليمان عن عمر يناهز 79 عاما بعد أن داهمه هادم اللذات في منزله بجنوب السرة ـ الشهداء ـ بعد صلاة العشاء في 4/9/2016 إثر حياة حافلة بالعطاء يصعب حصرها ولكنني سأتناولها من شقيها التربوي التعليمي والنقابي.وعلمت خبر الوفاة من الاخ طارق ادريس.
الأستاذ المربي داود سليمان الخشتي من مواليد القبلة من الأسرة الكريمة الخشتي وهي من العوائل القديمة والمعروفة بمواقفها الوطنية وجذورها العريقة.
وأستاذنا أبوسليمان من مواليد 29/4/1936 ودفن في مقبرة الصليبخات في 5/9/2016 عقب صلاة العصر وحضرت جموع مشكورة من أهلنا جنازته والصلاة عليه ودفنه.
أتاحت لي الظروف ان أكون على مقربة من المعلم النقابي والقيادي التربوي أ.داود الخشتي وأن أشهد دأبه وحرصه الشديدين على وطنه والأجيال وعبر أكثر من 30 عاما من العمل الدؤوب معه في اللجان في جمعية المعلمين مما جعلني اليوم أرثيه الى الجيل الكويتي والذين منهم من علمهم ووجههم في المدرسة الابتدائية، واليوم اعرض في «الأنباء» كشخصية كويتية نقابية بارزة في تاريخ المعلمين الكويتيين اسما لامعا في تاريخ التعليم في الكويت.
تعليمه
دخل مدارس الكويت الحكومية وتدرج فيها وحصل على الثانوية العامة ثم التحق بمعهد المعلمين في بغداد وتخرج معلما للآداب ودرس اللغة العربية في مدارس الحكومة وعين ناظرا لمدرسة البخاري الابتدائية في أواخر السبعينيات بمحافظة الأحمدي ثم عين رئيسا لقسم التعليم الابتدائي في محافظة الاحمدي ثم مراقبا لقسم التعليم الابتدائي في محافظة حولي وتقاعد في وظيفة مراقب للحاسب الآلي في عام 1988.
أب حنون
كان المربي الفاضل داود الخشتي ابا صالحا بكل ما تعنيه هذه الكلمة، وكان لتعليمه وثقافته دور كبير في جعله يمارس دور الأب المربي والموجه ليجمع ما بين الحزم والحنان، وله من الأبناء سليمان وفهد، ومن البنات سلاف وإيناس وبيادر ووشاح وآلاء، وهو ايضا جد حبيب طيب جمع اولاده وبناته وأحفاده تحت جناحيه، وكان معتزا بكل حفيد وحفيدة وهم: هيا ونادية ووسن ونورة وداود ووليد ومنوه وعمر وسبيحة وفهد وخالد وماجد ومريم ودلال وعبدالوهاب ورزان ومحمد وبدر وعبدالعزيز وأخيرا عيسى، وحتما من كل هؤلاء الكرام سيظهر «جين» يمشي على درب المربي والمعلم والقائد الإنسان داود الخشتي، رحمه الله.
علاقتي به
كنت في السبعينيات اتردد على جمعية المعلمين بالدسمة ولا أخفي أنه لفت نظري وأحببته لأنه كان عنصرا عربيا ووطنيا ومثقفا ومن جيل النقابيين الأفذاذ الذين تعلمنا على أيديهم مبادئ وقيم وأصول العمل النقابي ومع تدرجي باللجان واحتكاكي به كعضو مجلس إدارة ورئيس للمؤتمر التربوي العاشر واللجان المتخصصة والمشكلة ازداد اعجابي به خاصة في ذاك الوقت كان الحس الوطني العربي والتوجه القومي صاعدا بعد تدخل الاتحاد السوفييتي في افغانستان وبدء الحرب الإيرانية ـ العراقية وهي احداث جسام لها تأثيرها على الشعب العربي وأمة الإسلام، وكان والله يعطيني مكانة من التوقير والاحترام ما يجعلني أبادئه بأنني أنا المحتاج الى فتات مائدته الفكرية والتربوية، ولن أنسى نظرته وابتسامته الصامتة سوى ان له في نفسي مكانة المعلم من تلميذه.
كان داود الخشتي يجمع بين دور المربي والمصلح وكنت كلما عاشرته أحببت فيه سمته وصمته وسطوة شخصيته وأنا أعتبره من المعلمين القادة الذين كان لهم تأثيرهم على الصعيد المهني والتعليمي والنقابي.
لقد ولد داود الخشتي من رحم قاعات الدرس ومجالس العمل النقابي المؤسسي على الاطر الفكرية والتوجه القومي فكان في ميدانه علما لا يجارى ولا يبارى، وهذه بعض من صفحات تاريخ الأستاذ المربي داود الخشتي الذي خدم التعليم في الكويت بجد وإخلاص لمدة استمرت أكثر من ثلاثين عاما في قطاعات التربية والعمل النقابي..
وقال الشاعر أحمد شوقي:
والمرءُ يُذْكَر بالجمائل بعدَه
فارفع لذِكْرِك بالجميل بِناءَ
واعلمْ بأَنك سوف تُذْكَر مَرةً
فيقالُ: أَحسنَ، أَو يقالُ: أَساءَ
أسبوع التربية العاشر
لعل أسبوع التربية العاشر الذي انعقد صباح السبت 22/3/1980 من ابرز انجازات الاستاذ داود الخشتي ـ رحمه الله ـ وهذا المؤتمر من ابرز اعمال جمعية المعلمين عبر تاريخها النقابي العريق وقد حضرت افتتاحه وأتذكر بعد رجوعي للصحافة ان جريدة «السياسة» في عددها الاحد 23/3/1980 نشرت تفاصيل هذا المؤتمر التربوي الذي افتتحه وزير التربية جاسم خالد المرزوق وحضره رئيس اتحاد المعلمين العرب الاستاذ احمد عبدالستار الجواري ـ رحمه الله، وكان هذا في عهد رئيس جمعية المعلمين الاستاذ عبدالله الجاسم العبيد حينذاك، وأتذكر في هذا المؤتمر أدوارا طيبة لأساتذة منهم من بقي، أطال الله في أعمارهم، ومنهم من رحلوا، رحمهم الله، وكان الأساتذة فهد البحوه وسعد الرميحي وحسن الصايغ وناصر الصلال وفهد الصولة وعبدالله العنزي وأستاذنا الكبير جمعة ياسين وآخرون قد لا تسعفني الذاكرة في تسيطر أسمائهم ممن كان لهم دور كبير في إنجاح هذا الأسبوع التربوي الذي قاده الأستاذ داود الخشتي بكل جدارة.
جريدة «الأنباء»
أجرت جريدة «الأنباء» لقاء موسعا مع بعض اعضاء مجالس جمعية المعلمين في عددها 12/2/1980 لكثير من الزملاء منهم: صبرية عبدالله وحسن الصايغ وعبدالمحسن كاظم وعيسى السلمان وفهد البحوه وعبدالله الجاسم وجمعة ياسين وسعد الرميحي وسليمان المطوع وعبدالله العنزي وداود الخشتي الذي قال في اللقاء متحدثا كونه مقررا لأسبوع التربية العاشر ما يلي: الجمعية قدمت الكثير للمعلمين وسنواصل المسيرة من اجل المصلحة العامة وسنظل نطالب بمنح المعلمين العلاوة التشجيعية وايضا الخاصة بالنظار والناظرات.
رئاسة الوفود
منذ معرفتي بأستاذي الزميل الراحل الكبير داود الخشتي وأنا أؤكد انه كان من انجح رؤساء الوفود لما يملكه من صفات شخصية وقيادية، وكثيرا ما رأس وفودا زارت نقابات وجمعيات ومنظمات للمعلمين في الوطن العربي وكان، رحمه الله، من اوائل رؤساء الوفود التي تمثل المعلمين الكويتيين الذين تركوا اثرا كبيرا اثناء زيارتهم، وبحكم عملي في مجلة الرائد (المعلم) حاليا اؤكد ان الرجل لم يتوان يوما في عرض تاريخ الكويت والتعليم بشكل خاص ولعل من ابرز محاضراته ما قاله في معسكر الزبداني الذي عقده اتحاد المعلمين العرب في شهر يونيو 1979 وحضرته وفود من نقابات المعلمين العرب من الكويت والبحرين وفلسطين والمغرب واليمن وسورية والعراق وتونس وقد ألقى الاستاذ داود الخشتي عضو مجلس ادارة جمعية المعلمين رئيس الوفد الكويتي محاضرة استمرت 5 ساعات متحدثا عن تأسيس الجمعية والكويت القديمة والحديثة.
أمير القلوب في المنطقة العاشرة
كان بصفته ناظرا في المنطقة العاشرة كلف بأن يكون احد اعضاء اللجنة التي تشكلت مع السيد عبدالهادي الهملان مختار الأحمدي والصباحية لاستقبال سمو أمير البلاد حينذاك سمو الشيخ جابر الاحمد (امير القلوب) رحمه الله، وكان اللقاء في يوم 11/6/1978 وكان الاستاذ داود الخشتي رحمه الله، من ضمن الوفد الذي تشكل لاستقبال سموه للالتقاء بأهالي المنطقة العاشرة ونقاش سموه مع المواطنين ويقول الاستاذ داود الخشتي: كان اللقاء مع سموه كالعادة متسما بالموضوعية والصراحة وسعة البال وكان سموه في لقائه مع ابنائه وسماعه لمطالبهم مثالا للقائد الحكيم.
كاتب في الصحافة
كان الاستاذ داود الخشتي صاحب قلم سيّال وله الكثير من المقالات المحفوظة في الجرائد او المجلات مثل اليقظة وخاصة المختصة بالتربية والتعليم، ولعلي أشير بهذا الصدد الى مقاله «لماذا لا تخرّج مدارسنا العربية علماء؟» والذي نشره في مجلة الطليعة في شهر فبراير 1971 وطرح هذا الموضوع الحيوي وأجاب عنه كونه ممارسا للعمل النقابي وقياديا مهنيا في المجال التربوي والتعليمي وطلب في ختام مقاله رأي الجماهير والقواعد لتقول كلمتها.
رئيس للنادي الصيفي
ترأس الاستاذ داود الخشتي نادي الدسمة الصيفي وكان يعمل معه نخبة من المربين الأوائل امثال الاستاذ علي الزنكي والاستاذ علي الشمالي والاستاذ علي صالح النجادة والاستاذ جواد الصفار والأستاذ محمد العوضي وكان الاستاذ داود الخشتي ـ رحمه الله ـ مهتما بضرورة توعية الاهالي بأهمية وجود هذه النوادي التي تشغل اوقات فراغ الشباب بما يعود بالفائدة عليهم وعلى مجتمعهم، وكان من المؤمنين بشدة بالدور المدرسي لتربية الأجيال وأعطى نموذجا في تاريخه كناظر ورئيس للنادي الصيفي، ومن خلال هذه المؤسسة التربوية حاول تطبيق ما يؤمن به وأعتقد انه نجح إلى حد كبير.
جريدة تشرين السورية
نشرت جريدة تشرين السورية في عددها الصادر يوم الاثنين 19 رجب 1400هـ الموافق 2/6/1980 لقاء مطولا للأستاذ داود الخشتي ـ رحمه الله ـ على هامش الندوة الدولية لمنظمات معلمي البحر المتوسط وكانت الندوة موجهة لإدانة الامبريالية والصهيونية والتمييز العنصري والهجمة على امة العرب وكان الاستاذ داود الخشتي رئيسا للوفد الكويتي المشارك، وكان مما قاله «ان امتنا العربية لا تقبل بالتطبيع مع اليهود وان الذين يأملون ويعتقدون بأن التطبيع قادم واهمون»، وقد كان بحق مفكرا تربويا يعي دور المعلم التربوي الوطني والقومي.
ماذا قدمت جمعية المعلمين؟
كان هذا تحقيقا نشر في جريدة القبس اجرته الزميلة عواطف الزين في 1/12/1978 حول السؤال: ماذا قدمت جمعية المعلمين للمجتمع التربوي في الكويت؟وقد أجاب عن هذا السؤال الاستاذ عبدالله الجاسم العبيد رئيس الجمعية حينذاك والزميل فهد البحوه والزميل عبدالله العنزي وإسماعيل معرفي وعبدالمحسن كاظم وداود الخشتي والذي أجاب قائلا: نحن نسعى نحو الافضل ولاشك ان اسبوع التربية واحد من الانجازات الكبيرة وسيأخذ هذا العام شكلا وإعدادا جديدا وسوف يترك اثرا على مستوى دول الخليج العربية.
المعلمون العرب
أجرت مجلة الأجيال «المعلمون العرب» لقاء مع الزميل داود الخشتي نشر في طبعتها 25 نيسان (أبريل) 1979 على هامش المؤتمر العاشر للمعلمين العرب وقد قال في هذا اللقاء الصحافي ردا على سؤال عن حملة محو الأمية التي تشهدها الكويت، انها تجربة رائدة ورائعة وأنها قفزة حضارية يفتخر بها كل عربي وأقترح ان يساهم المعلمون العرب في هذه الحملة الوطنية ليحققوا المساهمة في العمل القومي وإكساب الخبرة، مشيدا بأدوار المرأة العراقية ايضا والتطور الذي لمسه في كل أرجاء القطر العراقي لمحو الامية وإغناء الامة العربية بالمزيد من اسباب النهوض والتقدم والتطور.
لا.. ليس البترول
مقال كتبه الزميل داود الخشتي في مجلة اليقظة العدد 137 في الاثنين 20 شوال 1389هـ الموافق 29 (كانون الأول) ديسمبر 1969، وكان عنوانه: «لا.. ليس البترول» في محاولة منه لتضمين سطوره ما وراء الكلمة لإعادة النظر في ماهية الشعب الكويتي وتقييمه ودراسة واقعه ومستقبله والعوامل المتحكمة فيه وهي بادرة شجعتها الصحافة، وهنا الاستاذ داود الخشتي يرد على ما كتبه الاستاذ فهد الراشد في العدد 133 من اليقظة عندما كتب مقالا بعنوان: «البترول والمواطن» محاولا دراسة اثر ظهور البترول على المواطن الكويتي وخلص الى ان الجيل الذي ولد على فراش عابق برائحة البنزين هذا الجيل الذي يلفه الترف منذ اول نسخة في الحياة هو جيل رخوي.. طري..غير ان الاستاذ داود الخشتي ـ رحمه الله ـ لما له من باع طويل في مثل هذه الحوارات كتب ردا غاية في السلاسة والحجة، مفندا الرأي الآخر عارضا وجهة نظره مذيلا المقال بالعلاج وطالب بضرورة اعادة النظر في المناهج التعليمية بحيث تكون متماشية مع حاجة المجتمع وتطوره.
أخر الكلام
رحم الله أستاذنا الكبير قدرا ومقاما في انفسنا الاستاذ داود الخشتي لما يتحلى به من هدوء وطيبة وابتعاد عن الأضواء الإعلامية وأتمنى حقيقة ان تكرمه الدولة، فأستاذنا أعطى الكويت والأجيال زهرة شبابه وعطائه وهذا يستحق التقدير والتكريم، ولي همسة لوزارة التربية وجمعية المعلمين الكويتية لإقامة مهرجان تكريمي لمثل هذه الكوكبة التربوية النقابية الذين أنجبتهم الكويت ورفعوا اسمها في الميدان التعليمي والتربوي والنقابي وهذا واحد منهم يستحق التكريم وان تتباهى الأجيال به ما بين الشعوب المتحضرة والأمم الراقية، ومشاركا اسرته وذويه ومحبيه القراء الحزن والترحم عليه ضارعا للمولى عز وجل ان يجعل قبره روضة من رياض الجنة ومنزلته الدرجات العلا من الجنة لما قدم لوطنه وأمته من جهد، وعلى أمثاله يحزن القلم وتدمع المآقي.. رحمك الله أستاذي أبا سليمان فلقد كنت ومازلت وستبقى الاستاذ الكبير الذي تعلمنا منه وقد دعوت له في البيت العتيق وعرفة، فيا رب جازه خيرا على ما قدم، وارحمه رحمة واسعة إنك أنت التواب الرحيم.