[email protected]
في حياتنا العصرية ذهب كل فعل جميل لتطييب الخواطر المنكسرة من الضعفاء والمعوزين والمنكوبين والمضطهدين إلى غير رجعة، اللهم الا قلة من الناس تحاول تثبيت هذه القيمة الاخلاقية بهدف تفريج همّ المهمومين وتنفيس الكرب في زمن سادت فيه غلظة القلب وزاد الوجع!
انظروا الى ما فعله الإنسان بالإنسان في حلب وبورما وغيرها من بقاع الأرض؟!
نعم عزيزي القارئ الكريم ان تطييب الخواطر في زمن القتل والبراميل والحرق يتطلب ان نغرس مكارم الاخلاق لأنها صفة من صفات الانبياء والصديقين والصالحين، وبها تنال الدرجات وترفع المقامات، وتثمر التحابّ والتآلف، وضدها يثمر التحاسد والتباغض والتدابر، لذا لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم ما اكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال: «التقوى وحسن الخلق» والمتصدر للمشهد الآن عكس هذا تماما (قلّت الرحمة)!!
اليوم، البشرية في هذا الكون الواسع تحتاج منا جميعا الى إحياء سنّة تطييب الخواطر للنفوس المنكسرة وما أكثرها، لأن هذا في رأيي قمة الأدب الاسلامي الرفيع ولا يقوم به الا صاحب نفس نبيلة ،لا بل عبادة جليلة لأن بعض العلماء ذكروه في ابواب الاعتقاد.
ان الذين يعرفون الحق ويرحمون الخلق ويريدون الخير والهدى هم في رأيي احسن الناس موافقين للكتاب والسنّة، فخذ مثلا اسرة ما توفي لها فرد نجد ان الاسلام اهتم بهذه الحالة وحبب معتنقيه في مواساة الناس بمصابهم واستحباب التعزية لأهل الميت وتصبيرهم وتطييب خواطرهم على فقد ميتهم.
وبالنظر لقضية اليتيم نجدها تحتاج الى وقفة، قال تعالى: (فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر) - (الضحى 9 - 10)، وهنا دعوة الى تطييب خاطر اليتيم والاحسان اليه والتلطف معه وعدم اهانته او استغلاله واضطهاده!
ان واجبنا نحو اصحاب القلوب المنكسرة من فقراء وايتام وارامل ومرضى ومنكوبين يستلزم منا ان نحاول جاهدين التخفيف من احزانهم بالكلمة الطيبة والفعل الحسن، وهناك ابواب مشروعة مثل التواصل معهم وزيارتهم وكفالتهم.
ومضة: ممن يستحقون تطييب الخواطر الخادمة خاصة ان كانت قائمة بواجبها خير قيام، فتذكّر انها تركت الاهل والاوطان متغربة من اجل لقمة العيش مما يجعلك مدينا لها ولا تفعل مثل (أولئك) الذين تقسو قلوبهم ويجعلون من مآسي الناس ونكباتهم مجالا للسخرية والضحك والتطاول، يقول الشاعر:
يا عائدا قد جاء يشمت بي
قد زدت في سقمي وأوجاعي
وسألت لما غبت عن خبري
كم سائل ليجيبه الناعي
أخر الكلام: الحمد لله (لو خليت خربت)!
هناك نماذج بشرية تقبل العذر من الآخرين عند حدوث الخطأ وتمارس تطييب النفوس، ونعلم جميعا ان كفارة الذنب هي الاعتذار كما ان الذي اساء اليك، عليك قبول اعتذاره ووكل امرك الى الله.
زبدة الحچي: اكيد للهدية اثر واضح في تطييب النفوس وتصفيتها كما ان تبسمك في وجه اخيك صدقة، واعلم ان البشاشة مصيدة المودة ولا تأنف من خدمة الناس، قال حكيم بن حزام رضي الله عنه (ما اصبحت وليس ببابي صاحب حاجة الا علمت انها من المصائب التي اسأل الله الاجر عليها).
علينا فهم النفسيات اثناء التزاور واخفاء الفضل فضيلة عند جبر الخواطر.
كم من شعوب تبدلت احوالهم وتغيرت امورهم بسبب فتنة او محنة، مما جعل الرياح تموج بهم وهم يعانون الابتلاء والمحن.
وتسألونني عن مفاتيح الفرج اقول لكم:
قارئي الكريم سيجعل الله بعد عسر يسرا.
فلا تجزع اذا حملت همّا يقطع النفسا.
وتذكروا انه اذا ضاق الامر واشتد الحبل انقطع وبعد الظلام الفجر.
ولا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك امرا ومن الضيق مخرجا.
قال الشاعر:
أعلل النفس بالآمال أرقبها
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
عجبا لكم يا بني البشر انشروا فضيلة تطييب الخواطر حتى لا يبيت احد في كويتكم حزينا مكلوما وانتم قادرون على ارضائه بكلمة، فعسى الكرب الذي امسى به قد رحل وراءه لقدوم الفرج وكن متفائلا ولا تصاحب المخذلين والمرجفين وابتعد عن المثبطين اليائسين وأشعر نفسك بقرب الفرج. وفقني الله واياكم في عصر كثر فيه المقال وقل الفعال!