[email protected]
الكويتيون القدامى يسمونه «المختلى»!
وهناك من يسميه «بيت الراحة»!
أعرف ان هناك من يضحك على هذا المسمى الحين وهو يقرأ لكنني أقول لكل ضاحك: «أمة العرب» اهتمت بالحَمَّام في تراثها المحفوظ، وفي الحضارة الإسلامية مجموعة من الكتب والعلماء في هذا السياق والذي جاء به المسلمون من اليونان والرومان دعما لما نص عليه الإسلام من اهتمام بالنظافة وكلنا نقول إذا دخلنا الحَمَّامات: «اللهم اني أعوذ بك من الخبث والخبائث».
من أجمل ما قرأت كتاب قيم للقاضي اليمني شهاب الدين احمد بن محمد الحيسمي الكوكباني الذي توفي 1151هـ وحققه الباحث عبدالله محمد الحبشي ـ رحمه الله ـ واسم الكتاب «حدائق النّمَام في الكلام على ما يتعلق بالحمَّام» وهناك ايضا ابواسحاق ابراهيم بن اسحاق الحربي المتوفى سنة 285 هـ كتاب «الحمّام وآدابه»، عبدالكريم بن محمد السمعاني المتوفى 562هـ له «آداب دخول الحمَّام»، وايضا محمد بن عبدالله الشبلي المتوفى 712هـ «آداب الحمّام»، ومحمد بن علي بن حمزة المتوفى سنة 765 وله «الإلمام بآداب دخول الحمَّام»، وكتاب «الكمام في متعلقات الحمَّام» لابن الملقن، وكتاب «رفع اللثام عن أحكام الحمّام» لابن طولون، و«غاية الاحترام لما ورد في الحمَّام» للسابق و«النزهة الذهبية في أحكام الحمّام الشرعية والطبية» للمناوي، وكتاب احمد بن العماد الاقفسي المتوفى سنة 808هـ وله «القول التام في آداب دخول الحمَّام»، وكتاب «آداب الحمَّام» لمحمد بن محمد بن الكركي المتوفى 835هـ، واخيرا داود الانطاكي المتوفى سنة 1008هـ له «رسالة في الحمَّام».
لا تستهينوا بالحمَّام فله طقوس ووصايا علمية أكثر منها تراثية وشرعية مثل أن تحكم أبوابه ولا يفتح من ناحية الجنوب وأن تكثر المنافذ وتستر بالزجاج من أجل إدخال الضوء وفتح شبابيكه زمن الحر وأن يكون الماء جاريا فيه غير راكد وأن توضع فيه المعلقات للملابس ولا مانع من الرسومات والمناظر الطبيعية، يقول الأديب ابن مسعود الأندلسي:
لا تحسبونا لوجه الله نمدحكم
فقارضونا بإحسان وإنعام
فقل ما وجدت ذود بلا علف
إلا التصاوير في حيطان حَمَّام
وقد أنكر الفقهاء وجود صور في الحَمَّامات، فقد قال الغزالي: ان الصور في الحَمَّامات من المنكرات يجب إزالتها. ويقول الإمام يحيى بن حمزة: يكفي في إزالة الصور من الحَمَّام، قلع رؤوسها أو أرجلها لتشويهها عن خلقها الطبيعي ولا يمنع من تصوير الأشجار وسائر النقوش فإنها مباحة.
والحمّام يجب أن تكون فيه مصابيح لا تنطفئ ليلا ونهارا يقول مؤلف الكتاب:
حَمَّامكم وسراج فيه كاد بأن
يطفى ونار وماء فاض فيض ندى
جوفي وقلبي ووجدي في محبتكم
ودمع عيني الذي يجري بكم أبدا
ويجب ألا يكون ماؤه باردا، يقول الشاعر:
قلت للقوم مذ دعوني
إلى الحَمَّام كي تنتفي به آلامي
ان حَمَّامكم لبرد حوته
هي محتاجة الى حمّام
ومضة: لا تستخفوا بهذا الموضوع فالحمّام في الطب العربي موجود وهو بالأصل موجود لإزالة كل الأوساخ والعفونات، ومن يقرأ ما قاله ابن سينا في «الحمّام» يعرف أن هذا العالم ومن سبقه من أطباء قدامى فهموا مضار الحَمَّام وفوائده.
آخر الكلام: من أسماء الحمّام «الديماس، البلان والنعيم».
وان أول من دخل الحَمَّام ووضعت له النوره والصابون سيدنا سليمان بن داود عليه السلام، ومن المنقول في الأثر أن إبليس لعنه الله تعالى قال: يا رب أخرجتني من الجنة، فأين بيتي؟ فقال: الحمّام، قال: فأين مجلسي؟ قال: السوق، قال: فما قراءتي؟ قال: الشعر.
زبدة الحچي: الحديث يطول في «الحَمَّامات أجلكم الله» لكني أرى ان أفضل الحَمَّامات المرتفع الواسع، عذب الماء، طيب الرائحة، حرارته متعادلة المفروش بالرخام الذي لا «يزحلق» لأن نصف إصابات «الرازي» من الحَمَّامات الرخام!
وقد عرفت بلاد عربية بأفضل الحَمَّامات مثل بلاد الشام و«تعز» باليمن بحَمَّاماتها، اقرأوا ما كتبه أحد الشعراء:
لم أنس حَمَّام «تعز»
ورتبتي فيه تعز
وكيمياء راحتي
والأنس فيه قد رُمز
في معدن تحت الثرى
في باطن الأرض ركز
الحمّام اليوم لقراءة جريدة وإرسال واتسبات وأمور كثيرة وراحت طقوس الأولين وما اتفق عليه من كلام واحترام.
يقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: بئس البيت الحمّام تكشف فيه عورات وترفع فيه أصوات ولا يقرأ فيه آية من كتاب الله تعالى.
لما سئل أبوهريرة عن الحَمَّام، فقال: نعم البيت الحمَّام، يدخله المسلم، فيسأل الله تعالى الجنة، ويستعيذ به من النار.
ليت هذه الثقافة تنتقل الينا.. ليت الحكومة والمجتمع ايضا يعيدون هذه الثقافة العظيمة بعد ان غابت واندثرت. انظروا معي وأدعوكم لتفقد حَمَّامات المطار والمنافذ الحدودية وسوق المباركية التراثي، وحَمَّامات الجمعيات التعاونية، ومحطات الوقود، وحَمَّامات الحدائق والمتنزهات، ستجدون كم هي مهترئة وغير نظيفة، ولا تشكل عنواناً على كويتنا الحبيبة.
لهذا كتبت أن الأولين لديهم رؤية استراتيجية للحَمَّامات، أما نحن فالفساد أعمى عيوننا فأغفلنا عن نظافة الحَمَّامات وصيانتها!