[email protected]
جلسا في محيط «الطرف الأغر» في جزر الأحلام، وقالت له: ألا تملك غير الكلمة ذخيرة؟
قال لها: هذا هو نهجي في الحياة أربي فكرا وقيما وعلما.
قالت له: وطريقك ؟
قال: ديني الذي يأمر بالمحبة والسلام والحرية المنضبطة.
قالت: أُقدر واحترم قلمك الذي يصوغ الحروف سحرا وعطرا فكم من أقلام بشعة تكتب الزيف وتنشر الفتن.
قال: القيم والمثل السامية هي ما نسعى اليه والشذا في أكمام الأزاهر.
قالت: ما أروعك.. أُريدك ان تكتب من أجل الربوبية ومن أجل غذاء الروح والفكر وتُصمد الناس أمام الأعاصير ومن أجل سطوع الحق والحقيقة والمحبة والعدل والمساواة والقيم والأخلاق. أُوصيك من أجل الإنسان (المواطن - والوافد) وكلاهما أمانتك يا من تخط أقدس الآيات والبينات في سعيك من أجل الكلمة.
قال: ما ذكرته حصادي كي أكمل المسيرة في الطريق السوي في هذا العصر العصيب الذي تردت فيه الأخلاق والقيم.
قالت: معك كل الحق.. نحن جميعا تجذبنا الكلمة رسولا للخير والبناء والسلام في زمن زاد فيه العري والالحاد والقتل، مما يستوجب من «كتاب الأقلام» ان يعودوا إلى ممارسة دورهم في تأصيل ينابيع الحكمة والمعرفة ونشر الطمأنينة في زمن التفجير والتكفير والتخوين، الله وحده يوفقك، فيما تصبو اليه.
قال: أشكر لك هذا الفضل من النصح الأمين وإحياء ما في نفسي من إباء!
قالت: يا الله، جميل اختيارك الإباء، نحن بحاجة اليه في هذا الوقت لأن الإباء قرين المروءة والانفة!
قال: معك حق قال شاعرنا:
إني لمن قوم بهم شمم
قومي العلى والعز والشرف
قالت: أضحكتني وذكرتني بعنترة بن شداد القائل:
هلا سألت الخيل يا ابنة مالك
ان كنت جاهلة بما لم تعلمي
يخبرك من شهد الوقائع أنني
أغشى الوغى وأعف عند المغنم
قال: ما يشغلني أن الناس في هذا الزمان تخصصوا في الاحتقار والإساءة وحقّروا المعروف وزادت المذمة من الناقصين!
قالت: حالفك الصواب قالها الشاعر المتنبي:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص
فهي الشهادة لي بأني كامل
قال: نعم صدقت قال تعالى: (إن تُبدوا خيراً أو تخفوه أوتعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا.. النساء 149).
قالت: أتسمح لي بأن أضع هذه المداخلة رهن أمرك فيما قال الخليفة الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «احذر من الكريم اذا اهنته، ومن اللئيم اذا اكرمته، ومن العاقل اذا احرجته، ومن الفاجر اذا عاشرته ومن الاحمق اذا مازحته».
ومضة: في هذه الاحوال التي نعيشها حكاما ومحكومين شعوبا ودولا ومنظمات وجمعيات وجماعات وافرادا علينا ان نعزز دور «الوعظ والواعظ» فخير الموعظة ما كانت من قائل مخلص الى سامع منصف.
يقول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «يا بني، من اتقى الله وقاه، ومن اتكل عليه كفاه، ومن شكر له زاده، ومن اقترضه جزاه، فاجعل التقوى عمارة قلبك، وجلاء بصرك، فان لا عمل لمن لا نية له، ولا خير لمن لا خشية له، ولا جديد لمن لا خلق له».
آخر الكلام: الوعي هو جوهر وجودنا واليقظة مطلوبة من الشاهد والمشهود والحاكم والمحكوم فكل الناس يتسابقون لمعرفة كل غامض ولا يهتمون للأسف بمعرفة انفسهم.
قال الشاعر:
العلم يحيي قلوب الميتين كما
تحيا البلاد اذا ما مسها المطُر
والعلم يجلو العمى من قلب صاحبه
كما يُجلّي سواد الظلمة القمرُ
زبدة الحچي: قالوها قديما.. «الوقت كالسيف ان لم تقطعه قطعك».. غير أن شاعرنا العربي الكبير أحمد شوقي قال:
دقات قلب المرء قائلة له
ان الحياة دقائق وثواني
عمنا شكسبير قال: قد ضيعت الوقت، والآن الوقت ضيعني!
إذن كلنا متفقون على ان الوقت «رأسمال» فاستثمره بحكمة.
وأقوم من جلسة «الطرف الاغر» لأودع محدثتي على أمل ان نعود لمثل هذا الحوار والبيان والذي احسبه ترجمان القلوب المتعبة والمفرق ما بين الشك واليقين، موجب الحجة ومجلي الشبهة، في أمان الله.