[email protected]
تقول العرب: الأقارب عقارب! وهو مثل شعبي دارج في مجتمعاتنا العربية.
في الكويت القديمة كانت الأسر تتجمع في (بيت العود) ويكون في البيت (أب وأم) يحكمون المنزل ومع تكاثر الأسرة يتحول الأب والأم الى (جد وجدة) وفيه (چنات) ـ حريم الأبناء ـ يقمن بأعمال المنزل كل واحدة كل يوم تطبخ فيه.
ويعتبر نموذج هذه (الحمولة) هو السائد في بيت عربي فيه لكل زوجة وزوجها غرفة واحدة وربما (حمام مشترك) لكن الجميع كان سعيدا واليوم تراجعت ساحة السعادة في كثير من البيوت! وتفرقوا في أكثر من بيت؟
وأصبحت العلاقات الأسرية حتى الحميمة منها مثل علاقة الأب والأم بعوائل أولادهم طابعها الجفاء وتضاءل جدا الحنان والتواصل واختفت المحبة الى بغض وكيد وحسد وتدابر.
لماذا تردت هذه العلاقات الأسرية ما بين الأسرة الواحدة والأخريات؟ ولماذا فقدت الأسر زخمها العاطفي وذهب الحب والصفاء الى غير رجعة؟ وهل هناك أمل في عودة محبة (الأقارب) في ظل المتغيرات العاصفة من حولنا أم ان العلاقات هذه انتهت ولن تعود؟
قال الشاعر:
الموت ما هي غربتك بين الأغراب
الموت والله غربتك بين أهاليك
ذهب الزمن الجميل برجاله ونسائه وجيله فبعد العيش في سعادة ووئام وجمعة طيبة ومحبة وتناصح وواجبات وطلب رضا (الرحمن) وثوابه تحول كل هذا الموروث الجميل من العلاقات الى (مرحلة حرب) في كثير من الأحيان ما بين أفراد الأسرة الواحدة وتعدى الى الأسر الأخرى في (الشجرة العائلية) إلى الانسباء!
هذه القيم المتوارثة ذهبت بعد ان (نست الأسرة في دور تعليم الطفل والشاب احترام الصغير للكبير وعطف الكبير على الصغير والحشيمة دائما للكبير)، هذا ما تعلمه جيلنا من (أصالة أسرية) وعادات طيبة غرست فينا وطبقناها واليوم ضاعت في الزحام.
نعم ذهبت القيم المتوارثة وحلت بدلا منها يسمى بعمليات التحضر مثل الاستقبالات الرسمية والاكتفاء بالمناسبات بإرسال رسالة SMS أو واتساب!
ولم تعد «الزوارة» الملتقى الأسري الذي يناقش القضايا وإنما للغداء ساعة والكل ماسك نقاله متواصلا مع من حوله إلا الذين يزورهم!
انقطعت أرحام وأواصر عائلية بسبب الجري وراء الماديات وانعكست كل هذه الأمور السلبية على الأسرة والعوائل وكأن «لعنة» أصابتهم فتفككوا بعد ان كانوا «يمعة أسرية رائعة»!
واعتقد غياب الوازع الديني نتج عنه اهتمام كل فرد بنفسه لأن سابقا الأم والأب كانا يجمعان الكل في مكان واحد فإن غابا صارت العائلة «ضيعة»! قال الشاعر:
ظلم الغريب أهون ولا ظلم الأقراب
لأن الظليمة من قريبك مصيبة
ومضة: العلاقات الأسرية دخلتها مؤثرات عصرية احدثها وسائل الاتصال الاجتماعي والقنوات والفضائيات والمباريات!
آن الأوان لتدارس أسباب كل المستجدات (المفرقة للأسر والعوائل) وتحفيز مسؤولية كل إنسان نحو أسرته والآخرين.
غياب الأم أو الأب عن ادوارهما أوجد فراغا عاطفيا ونفسيا لدى الأسر التي تفككت ولا بد من «طرف» يحاول جمع الشتات!
وقال الشاعر أيضا:
وعيب القريب أصعب من عيوب الأغراب
لأن القريب يعيبك اللي يعيبه
آخر الكلام: جفاف العواطف قادم للأسر المتحدة وعليها ان تتخذ من التدابير ما تحمي به نفسها من هذا التفكك القادم لها لا محالة ما لم تبادر الى بتر (العزلة) ومعالجة المنزوين والتوحدين!
آن الأوان ان يقوم شخص نافذ في الأسرة بكسر الروتين ووضع «قدوة» عملية انموذجا يحتذى لأسرته كي تتجمع حوله وتجتمع ولو مرة كل اسبوع أو في الشهر على أبعد تقدير!
وقال الشاعر:
والله ما يـذبـح طويلـيـن الاشـنـاب
غير القريب اللـي طعـن فـي قريبـه
عقب القرابه والغلا صرتـم احـزاب !
ولا حد ٍ جنى من فعلته كـود خيبـه !
زبدة الحچي: اللقاء الأسري مطلوب وعلى «النواخذة» المسؤول عن الاجتماع العائلي ان يضع مكانا للهواتف لكل من يدخل من الأسرة صغيرا كان أم كبيرا يضع هاتفه في المكان المخصص وتبدأ الأسرة في السوالف والحچي أفضل بكثير من لقاء «الصم والبكم والعميان» الذي يمارس في الزوارة، والحذر كل الحذر من توسيع دائرة الاجتماع العائلي الا بحدود لأن أيضا الأقارب اليوم ليسوا كما السابق أهل وعزوة إنما فيهم اليوم الجاحد والحاقد واللامبالي، والحل دائما يبدأ برأيي في مواجهة الحقائق ولو كانت مؤلمة ثم مجابهتها ووضع الحلول القابلة للتطبيق لإعادة المياه الى مجاريها وكثر ما تزرع تذكر ستحصد!
وانبذوا جميعا الأنانية الذاتية والأنا المتفخمة تفلحوا!
وتذكروا دائما تشبيه العرب البليغ للأقارب بالعقارب ووجه الشبهة بينهما حصول الأذى والمضرة، كما ان أذى الأصدقاء والجيران قد يغفر لكن سبحان الله أذى الأقارب غير مؤذ وله غصة في الحلق ومرارة في المذاق وضيقة في الصدر ورغم هذا قال الشاعر:
فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم
وان هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
ويبقى السؤال: صحيح ليه الأقارب عقارب؟
سؤال لا أستطيع الإجابة عنه ولكن أملك تعميمه من خلال الكتابة ولا أملك الإجابة!