[email protected]
كنت في الثمانينيات أخرج من جمعية المعلمين مساء بعد أداء مسؤوليتي كأمين للسر في مجلس إدارتها وأتجه أقف ساعة في مطعم
واحة العطشان مقابل «مول المهلب حاليا» عند الأخ الصديق جمال أبوحاكمة واخوانه ثم أذهب الى حولي لمنظمة التحرير أو الجابرية لمقر حركة فتح خاصة عندما يتواجد الأخ القائد خليل الوزير - أبوجهاد أو صلاح خلف - أبوإياد وكان رحمه الله من أقرب القادة الفلسطينيين الى قلبي، اضافة الى الأخ سليم الزعنون - أبو الأديب، وقد زادت معزة أبوالأديب لموقفه المبدئي من الاحتلال العراقي عندما خاطب العراقيين «نحن لا نرمي حجرا في بئر نشرب منها»، في إشارة الى رفضه المطلق للمشاركة في المسيرات تأييدا للاحتلال العراقي، وقد دفع ايضا صلاح خلف حياته لمواقفه المبدئية ضد توجهات الاحتلال العراقي في الكويت ولم تمض 24 ساعة حتى قتل من أزلام النظام العراقي على يد صبري البنا!
الأخ القائد سليم الزعنون، «شاعر نجم» يملك ناصية الشعر وله ديوان جميل اسماه «نجوم في السماء»، ولعله هنا استطاع ان يخلد هؤلاء في سماء المجد وفلسطين شعرا وقد انعكس «تدين» أبي الأديب في كل شعره، يقول في الإهداء:
وأدعو لنفسي مع الخالدين
وأنت القدير ورحمانُها
وأحبابُنا كلهم في السماء
رياض الخلود وريحانها
ارتبط الشاعر الكبير سليم الزعنون بفلسطين وطنه وتعلّق قلبه بالقدس وشهداء فلسطين وكان شديد التأثر بالخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي فتحت على يديه الأرض المباركة والقدس الشريف، وأيضا صلاح الدين الأيوبي الذي أرجع القدس من أيدي الصليبيين الى دوحة الإسلام، وكلنا على أمل وانتظار لفاتح القدس الجديد بإذن الله!
خمسون عاما من التجربة الشعرية وضعها «أبوالأديب» في كتاب وشكّل شعره الثوري «عقدا جميلا من الأشعار» للقادة والمناضلين وبنادق الثوار مرورا بشهيد القسطل البطل عبدالقادر الحسيني، رحمه الله، ولم يخل شعره أبدا من حركة المدرسة الشعرية الكلاسيكية باتجاهاتها التقليدية والرومانسية والتمجيد والبطولة والعزة والفخر والحماسة.
انا أعتبر هذا الديوان بقصائده مشاركة من المناضل سليم الزعنون في «معركة القدس» قبل وقتها الحالي بعد ان حمي وطيسها وهي لا محالة «زهرة المدائن» عاصمة فلسطين الى آخر الزمان رضي من رضي وزعل من زعل حتى الرئيس ترامب!
ومضة: لقد أجاد الشاعر سليم الزعنون في وصف الشهداء، وأقصد شهداء اللجنة المركزية لحركة فتح، بأحد عشر كوكبا، حيث شبه الشهيد أبوجهاد بالشمس والأخ الشهيد صلاح خلف ـ أبو إياد ـ بالقمر.
خليل على قمة الصادقين
هو الفتح في البدء عنوانها
وهذا صلاح على منبر
اذا قال أطرق سَحبانُها
ويقصد هنا «سحبان وائل» وكان أخطب العرب، وكان صلاح خلف يتميز بالخطابة وملكة العبارة وناصية الكلمة وإثارة حماسة «المتجمهرين»!
وقد رثى الشاعر أبوالأديب كثرا، وأعدد بعضهم مثل كمال عدوان ومحمد يوسف النجار «أبويوسف» وكمال ناصر وهايل عبدالحميد وسعد صايل أبووليد وماجد أبوشرار وممدوح صيدم ودلال مغربي، والتي قال فيها:
دلال على قمة الماجدات
وقد أشعل الشط نيرانُها
آخر الكلام: في عام 1985 استشهد الأخ فهد القواسمة أبوخالد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي التقيته عام 1984 في المجلس الوطني الدورة السابعة عشرة، وكان اللقاء عقد في الاردن في فندق القدس ولن أنسى في هذا اللقاء كيف ترك في أكبر الأثر وبعد عودتي امتدت يد الغدر الى الشهيد فهد القواسمة ليلقى مصرعه، وقد رثيته بمقال في «الأنباء» في 1985، يقول الشاعر أبوالأديب فيه:
ضجت الأرض بالهتاف الهادر
بالزغاريد أطلقتها الحرائر
غضبة عمت العشيرة والأهل
فصارت قلوبهم في الحناجر
يا أباخالد أهذا فراق؟
أم لقاء؟ تحار فيه البصائر
شيعتك العيون لكن ستبقى
في ضمير الأحرار رمز الثائر
وما زالت عندي الى اليوم قناعة بأن كثيرا من القادة صفوا بيد فلسطينية وليست دويلة الكيان الإسرائيلي!
زبدة الحچي: من أجمل قصائده «شهيد القدس» قالها في الملك فيصل بن عبدالعزيز، رحمه الله، يقول:
ذكراك فيصل في أعز مكان
عند الصفا والبيت والأركان
في الكعبة الغراء قبلة عابد
وملاذ كل مضيّع حيران
من أسرة عصماء قادت شعبها
فالخير والإيمان يجتمعان
يا ابن السعود قضيت والدنيا بها
شر يوالي الضر بالأوطان
ان شاعرا عربيا مثل أبي الأديب يستحق منا كلمة «شكر كويتية» على مواقفه المتضامنة معنا وتجرعه العلقم جراء هذا الموقف التاريخي المبدئي، فتحية له من كويت الإنسانية والمواقف المبدئية ونحن لم ولن ننسى من نصرنا أو خذلنا!