[email protected]
نحن نعيش في زمن متسارع فيه الكثير من الأحداث والقضايا وأيضا (البلايا) من انشغال الزوج والزوجة عن مهمتهما العظيمة في بناء (التواصل الأسري) لهما أولا ثم الأولاد ثم الأحفاد!
أحاول في هذه المساحة أن أقدم «روشتة» لبعض المفاهيم والآليات والأساليب التي تساعد على «تواصل أفراد الأسرة» وأيضا ما يخص تربية الأبناء بشكل مباشر وبحيث نحوله من كلام سطور إلى خارطة طريق تصلح لهذا الزمان الذي سرقت فيه الأجهزة الذكية الناس من أي حوار! وتحول الى ما يسمى الأذان في مالطا!
ما عاد هناك حوار، الكل مشغول بهذا «اللعين» الذي أضاع «جمعات» الزوارة والحوار، وأنا أعلم تماما ان الناس ذوو طبائع وحاجات وأذواق وطموحات وأيضا «مزاجات» لكن «الحوار» أمر ضروري اليوم خاصة بعد ان تحول أخيرا الى (مقاتلات كلامية) مما أدى الى تنافر القلوب ونرجع الى شريعتنا، قال تعالى: (وجادلهم بالتي هي أحسن) النحل 125.
إذن الجدال أمر فطري ويحتاج منا إلى تهذيب وصبر ومراجعة لما نقول لأن الحوار يحتاج الى نقاط «تلاقية» ومساحة مشتركة وإذا وُجدت سَهُل الأمر بإذن الله حيث يبدأ الإقناع وعرض الأمور كلها، فإما قبول أو رفض!
خلاصة ما أحب أن أقوله وأشير إليه ان الذي يجري في البيوت غالبا ليس حوارا وإنما هو جدال وصراخ وهجوم ومحاولة إدانة علما ان الحوار الراقي هو أسلوب ذوي الأخلاق الرفيعة الكاشف لعظم التربية والتهذيب.
السؤال المُلح: لماذا على الزوجين التحاور؟ وكيف نربي الأبناء على التحاور والنقاش؟
مادمت تمارس تربية الأولاد فعلى الوالدين الحوار الدائم من اجل مصلحة هؤلاء «الأمانة»، والحوار الطيب أصداؤه ونتائجه تنعكس على كل أفراد الأسرة، وبالتالي لا ينشغل الأبناء عن واجباتهم، في حين «الحوار العقيم» يترك أثرا في نفسيات الأبناء ونتائجهم كما ان «الحوار الفاعل» يؤدي الى التفاعل والمحاكاة ويبني شخصية الأطفال والشباب، والكل هنا يتحمل المسؤولية ويعطي الثقة بالنفس وأيضا الأمان، مما يزيد في الانفتاح بين الوالدين والأبناء، وينعكس إيجابا على شخصياتهم ومعرفة الوالدين لطموحات ومشكلات الأبناء، وبالتالي حلها ودفعهم الى مزيد من النجاح وفهم الصورة الذهنية التي كونها الأبناء عن الوالدين لأن الاحتكاك يولد التفاهم وبالتالي تعديل السلوك خاصة أننا أمام فضاء مفتوح قادم لنا من كل حدب وصوب مما قد يعرض الأولاد الى «عالم التيه»!
أنا أعرف أننا جميعا مقصرون في الحوار والتواصل مع الأبناء، ولكن فتح الحوار خطوة اولى للتشاور المباشر خاصة حول «الأصدقاء» وتشير الدراسات الى ان انحراف الأبناء مرده الى رفقاء السوء!
آن الأوان أن تترك الانشغال وتتفرغ لابنك وتعطيه من وقتك وحاول ألا تكون «عسكريا» مع ابنك، وانت لا تمارسي الديكتاتورية مع ابنك خذيه بحنانك ان كان الأب حازما لكن لا تخطّئي الأب أبدا أمام أبنائك واتفقا على «الموقف الواحد» حيال اي قضية وتذكرا ان حفظ الأبناء من الضياع مرتبط بشيء من التنازل والتحمل والصبر والحكمة.
ومضة: أرجو من كل أب ألا يتعلل بأن ما يقوم به هو تأثره بطريقة تربية والده له لأن التربية اليوم غير الأمس!
ويهمني جدا ألا يعتبر الأب حواره نوعا من التنازل أو مما يفقده الهيبة ان علينا ان نفك أنفسنا ككبار من (غول التسلية الجديد في الإنترنت)!
ويا أيها الآباء والأمهات: انتبهوا للأجهزة التي بأيدي أطفالكم وأبنائكم (الأجهزة الذكية) قد تكون وبالا ودمارا لأنها سقف مفتوح!
آخر الكلام: ذهبت مقولة (الكبار أعرف من الصغار بما يُصلحهم)!
فالعلم والتأديب أصبحا خارج نطاق الأسرة والمسجد والمدرسة لأن الحوار تشعب، لهذا خصص لك (يوما في الأسبوع تلتقي فيه الأسرة) ويستحسن ان تكون فيها مجموعة من الفعاليات والتطبيقات وسط أجواء تسودها لباقة الألفاظ وعدم تحويل الحوار الى جدال بعيدا عن الحجج والادعاءات، ولازم يكون وسط العائلة «ضابط إيقاع» يدير الحوار ويفعّله ويضبطه وليس من داع ان يكون الأب او الأم يمكن ان يكون الأخ الأكبر او الأخت او بالتناوب وتوزيع الوقت على الجميع بالعدل.
المهم ان يشعر الجميع ان الحوار مثمر وإن لم يشعروا بذلك فإن الملل والتسرب والأعذار راح تكثر بحجة المواعيد والانشغال، لذا الكل لازم يلزم الوضوح في الحديث والحوار.
زبدة الحچي: المدمر للحوار العائلي هو سوء الظن والدخول في النيات دون تثبت ولا برهان وأسوأ شيء محاسبة أي فرد بالظن والتخمين، يقول الله تعالى: (يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن، إن بعض الظن إثم) الحجرات 12.
أتمنى أن يحول كل رب أسرة بيته الى «منارات ثقافية» في الزوارة واللقاءات العائلية وهدفنا إذكاء العواطف النبيلة، ولنتذكر ان كل الناس على إطلاقهم ما هم إلا صناديق مغلقة ومفاتيحها ألسنتها ولنبتعد عن الحوار الرومانسي المخملي الذي ليس فيه زبدة ولا نتيجة سوى «فيلم» الكل يمثل فيه الدور وإنما «اجتماع عائلي أصيل» بسيط ليس فيه للتصنع مكان فيه المشاعر أولا وأناقة العبارة المستخدمة في الحوار لتسمو العلاقات و«شكرا» لكل من يهندس «الحوار العائلي» ليذهب عن أسرته «غياب الحديث والحوار والنقاش» وتبقى القضية مفتوحة هناك رجل وامرأة وزوج وزوجة وأبناء.. فلا تجعلوهم ضحايا لكم تهديدا وابتزازا، بل دعوهم على سجيتهم يمارسون حياتهم وسط مراقبتكم وتوجيهاتكم ورعايتكم الدائمة.. هذه هي أخلاقيات البيت الكويتي دائما وعاداته ولهذا أخرجت الكويت الرعيل الأول الذين بنوا الكويت وسلموها لهؤلاء الأجيال الآنية والقادمة.. فماذا أنتم فاعلون؟
اهتموا بحوار «الأسرة» تنجح كل الحوارات اللاحقة!
هذا حسبي، حاولت أن أقرب الصورة قدر الاستطاعة ومن الله التوفيق.