[email protected]
سأحكي لكم سر حب وعشق أهل الكويت القدامى للبنان في السبعينيات وما ورثوه من محبة لنسلهم باق حتى اليوم.
بعد أداء صلاة الفجر ثم صلاة الضحى خرجنا من المسجد بصحبة بروفيسور هذا الزمان وحكيمه الأخ بوشميس، وكان في معيته مصري و2 من حضارمة وبنغالي وخلف، وقفنا أمام ساحل أبوالحصانية الجميل.
قال أبو شميس: بمَ يذكرك هذا الهواء المنعش أيها الصحافي صاحب القراطيس؟
فقلت من دون تردد، الله لبنان، أحب صخرة الروشة ومغارة جعيتا ومعبد باخوس في بعلبك وتمثال الشهداء في بيروت! ضحك أبو شميس وفتل شواربه وقال: في هذا صدقت، انا ذهبت مع والدي، رحمه الله، الى لبنان في سيارة «كديلاك» ومن كثر خوفي لا تطوفني الصلاة وكنا ساكنين في «بحمدون» دخلت كنيسة وقمت «اروكع» ورفعت راسي والا «أبونا» كبيرهم يبتسم ويقول: أهلين حبيبي في بيت القدير؟ يقول برق وإلا أنا في الشقة من الخوف! يواصل بوشميس كعادته سوالفه.. لبنان حلوة جاوبني احنا لم نحب لبنان بالكويتي ليش نحب ونعشق لبنان؟
قلت: والله يا بوشميس الأسباب كثيرة، لبنان كان قبل «محطتنا» الأولى في السبعينيات يوم كان يسمى «سويسرا الشرق» تروح الصيف الى بحمدون او عالية أو زحلة أو نزلت الى جونيه حد البحر - او أكملت الى الجبل «جبل لبنان» الجميل أو أكملت الى المناطق في مدن لبنان الكبرى مثل طرابلس او صور في الجنوب!
لبنان متنوع ومتعدد وفيه تجد كل ما تطلب (جو حلو ـ أكل طيب ـ وشعب أطيب!).
وإذا دخلت مطعما وطلبت «أكلك» ويابولك هالمقبلات «المزة» أكثر من 30 ماعونا تتقدمها كبة بلبن ـ تبولة ـ حمص ـ شيش برك ـ مشاوي ـ صيادية ـ ورق عنب ـ المدردرة ـ مجدرة حمرا أو أكثر مما لذ وطاب من الطعام والشراب والفاكهة كل هذا يُنسى!
هنا لاحظت بوشميس «سرح» وسعبل وقام يتلمض! «أي» يتشوق للطعام ويستشعره كأنه يأكله!
ثم التفت وقال: اي والله احنا الكويتيين القدامى العتچ نحب لبنان يمكن كانت خياراتنا قليلة مثل: مصر، الأردن، سورية، قبرص؟
فقلت: بوشميس ترى لبنان حضارة قديمة مثل الفينيقيين والآشوريين والإغريق والرومان والأتراك العثمانيين والصليبيين والفرنسيين.
كان الهواء باردا جدا فعلا يذكرنا بنسمات البرد في لبنان فقلت لأبي شميس أتسمح لي بإلقاء قصيدة قائلها لبناني اسمه أمين تقي الدين يقول في أبياتها الجميلة:
الله يـا لبنــان مــا أجمــلـك
واروع الشيب الذي جللك
بين يديـك الملك فـي جاهه
على الثرى او عزه في الفلك
زهيت بالتاج فما تأتلي
تودع النور كما استقبلك
واديك والسهـل كـسر المنى
يــدرك بالروح ولا يمتـلـك
في بهجة الماس قبيل الضحى
وروعة الياقوت عند الحلك
تقبل الشمس ضحوكا لها
ويضحـك الفجـر متى قبلك
سبحان من خبأ فيك الصفا
وسـل من قلب الصفا جدولك
انت نعيم الله في وعده
مثلــت بالنـعمة فـي مثلك
لبنان هيا نتشـاكى الهوى
في التصابي فيك والسحر لك
ومضة: الكويتيون القدامى مهما لفوا العالم تبقى لبيروت رونقها وللبنان كله منزلته الواثقة ولتنوعه وفرادته، وما اوقف هدير جموع المسافرين له في أوساط السبعينيات الا الحرب الأهلية اللعينة، وقد كان للكويت والكل يعلم دور بارز وثّقه الزميل محمد الحسيني في كتابه القيم: أمير السلام يرصد أدوار شيخنا العود، أمد الله في عمره وفي صحته وعافيته في إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية.
آخر الكلام: أحد الحضارمة الذين معي سألني عن معنى اسم اللبنان؟
فقلت: لبنان مشتق من كلمة «ل.ب.ن» السامية وهي تعني «أبيض» وذلك بسبب لون «الثلوج» المكللة لجباله لهذا لا تعجب ان سمعت كويتيا يقول لك واصفا البياض «شقالولك» لبناني حمر عطر!
وهناك من يقول: انه «اللبنى» اي مشتق من شجرة الطيب أو اللبنان أي البخور وذلك لطيب رائحة أشجاره وغاباته مثل الصنوبر.
وهناك ايضا من يقول انه اسم سرياني من «ل ب و أ نان» وتعني «قلب الله» كموطن للآلهة عند الأقدمين وحاش لله أن يكون له قلب كما يزعمون!
كل هذا مرده الى التفسيرات الفرعونية والكنعانيين!
هنا بوشميس قال: أقول عيل من هم شعب «الميرندا»؟
قلت له: من؟
قال: هذيله ملوت بورما!
ضحكت طويلا وقلت له: الله يغربل إبليسك شعب الروهينغيا تقصد!
وعندما نذكر لبنان لا بد ان نتوقف عند محطة «المغتربين» او المهاجرين اللبنانيين الذين هاجروا الى كثير من دول العالم وبعضهم وصل الى سدة الحكم ولو رحبوا بأموالهم لغدا لبنان من أغنى الدول!
زبدة الحچي: ما دمنا نتكلم عن لبنان لا بد أن نتوقف عند «محطة عاشق لبنان» وهو والدنا سمو الشيخ صباح السالم، طيب الله ثراه ومثواه، حاكم الكويت الأسبق والذي له «قصر» هناك كان يستقبل فيه أبناء شعبه أثناء «تصييفهم في لبنان» ويكرمهم ويتحاور معهم، والمعلوم أن أهل الكويت لهم منازل وفلل وقصور وقد عززت هذه اللقاءات الصيفية ما بين البلدين، ويحدثنا من سبقونا الى لبنان انه في عام 1955 وصل الشيخ صباح السالم، رحمه الله، الى مطار بيروت قادما من بريطانيا ليتفاجأ بالشعب الكويتي المصيف في لبنان في استقباله يتقدمهم الشيخ عبدالله الجابر والشيخ دعيج السلمان والشيخ خالد العبدالله السالم، رحمهم الله، ولفيف من الشخصيات الكويتية واللبنانية.
من الذكريات التي في ذاكرتي استقبال الرئيس اللبناني الراحل سليمان فرنجية لأمير البلاد المغفور له باذن الله الشيخ صباح السالم في مطار بيروت عام 1972 وكيف زين المطار بلافتات الترحيب على طول الطريق وكان سفيرنا حينذاك محمد يوسف العدساني، رحمه الله، وقد أقيمت في مدينة «اهدن» حفلات فلكلورية احتفاء بقدوم سمو الأمير، وفرصة ندعو لعياله ونترحم عليهم الشيخ سالم الصباح «بو باسل» والشيخ علي صباح «بو ثامر» رحمة الله عليهم جميعا وأمد الله بأعمار الأحياء الرجال والنساء والأحفاد من نسله المبارك.
لقد تألم شيخنا صباح السالم، رحمه الله، لاندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1976 وقضى إجازاته في قصره بالمسيلة وان ذهب أحيانا الى قصره في خارج لندن الذي أسماه «قصر الصباحية»، إلا أنه سرعان ما يعود الى الكويت متذكرا لبنان العربية التي أحب.
لبنان ذكريات جميلة لا تنقطع، نأمل أن تعود، فلبنان عزيز علينا ونحن عزيزون عليه، فيما ينساب صوت فيروز صادحا:
نسَّم علينا الهوى من مفرق الوادي
يا هوى دخل الهوى خدني على بلادي