تعلمت ألا أستبق الأحداث وألا أطرح رأيا خالصا إلا بعد أن تهدأ كامل ثورة جياع السياسة حول أي قضية يثيرونها في هذا البلد وبعد أن يعود الجميع إلى ثكنات معسكراتهم، خاصة أنني لا أتبع أي معسكر من معسكرات المتناحرين، ليس لعدم قناعتي بأي من تلك المعسكرات السياسية الكويتية بل لأنني أعلم أن هناك نارا يحاول كل فريق أن يدنيها من قرص مصلحته.
لا يوجد شيء واضح في أفق السياسة، خاصة هنا، فالشمس قد تظهر في الساعة الثانية عشرة ليلا، وليس لأحد الحق في أن يسأل عن السبب، فالسياسيون هنا لهم رأي حتى في توقيت خروج الشمس، ويمكن لسلم رخامي مخالف أن يقيم الدنيا ولا يقعدها، بينما قد لا يحرك خطر يتهدد مستقبل الأمة شعرة في جلد أي سياسي.
ومن بين القضايا التي أثارها السياسيون قبل شهرين غلاء الأسعار، واكتشفنا لاحقا أن تبنيهم لقضية غلاء الاسعار ما هو الا جبهة قتال يريدون فتحها في حرب استجواب يعد لوزير التجارة، ولا أبرئ وزير التجارة هنا فلايزال يتحمل مسؤولية انفلات وحش غلاء الاسعار الذي ينهش جيوب الجميع ليلا ونهارا دون أن يرف له ولا لوكلاء وزارته رمش، ولكنني أستغرب من صمت القبور الذي ران على ألسنة النواب الذين أثاروا القضية ولم يعد أحد منهم يفتح فمه حول تلك القضية التي تهدد 3 ملايين نسمة لا بخير ولا بشر.
وتقرير اللجنة المالية حول ظاهرة غلاء الأسعار جاء في 600 صفحة، ضمت تبادل اتهامات بين الجهات الحكومية، كل جهة تلقي المسؤولية على الأخرى، أما تقرير وزارة التجارة فجاء ككتاب تبرئة للتجار وإدانة للشعب، إذ ذكر ذلك التقرير أن سبب غلاء الاسعار هو موجة الغلاء العالمية، وهذا ما ينافي المنطق والواقع، إذ ان الحقيقة أن «التجارة» لم تفعّل قانونا واحدا مما في جعبتها من قوانين ولو أنها فعلت «قوينينا» واحدا ولا أقول كامل القانون لما تجرأت شركة أغذية على رفع أسعار بعض سلعها بين يوم وليلة، وطبعا مارست «التجارة» قلب الحقائق بقولها ان أسعار السلع في الكويت أقل من نظيراتها في دول الخليج مع أن جهاز الإحصاء المركزي الكويتي وقبل يومين أصدر تقريرا ذكر أن السلع الغذائية زادت بنسبة 0.7% في شهر مارس الماضي كما زاد السكن 1.2%، وهذا في شهر واحد فمن نصدق جهاز الإحصاء أم تبريرات وزارة التجارة؟
لا أعتقد أن وزير التجارة ولا النواب يشترون من الجمعية بأنفسهم كما يفعل بقية خلق الله، وإن فعلوا فلن يحسوا بفرق زيادة الـ 100 والـ 200 فلس التي تجتمع في سلة مشتريات الموظف البسيط من الجمعية لتشكل فرقا يعادل 30 دينارا من ميزانيته الشهرية التي لا تتجاوز بأي حال من الأحوال الـ 500 دينار بعد خصم الأقساط، أما ميزانياتهم الشخصية «اللهم لا حسد» فيمكن أن تتجاوز ألف ضعف ميزانية الموظف المسكين.
[email protected]