فيروز قهوتنا العربية.. الصباحية. فمن الذي لم يتعود على أن ترتشف روحه صوتها كل صباح؟!
فيروز في ألبومها الأخير أثبتت أنه «فيه أمل» وأثبتت أنها نجمة عصية على «الأفول»، كل النجوم العرب تساقطوا تباعا في كل المجالات في الشعر والموسيقى والغناء والتمثيل والفن التشكيلي وفي المسرح والسينما والتلفزيون حتى اننا نعجز اليوم على ان نجد شاعرا.. مثقفا روائيا مبهرا يمكن ان نفاخر به العالم، جميعهم تراموا في أحضان السلطة ومن نجا منهم لوثته السياسة أو بالأصح لوّث نفسه بآرائه السياسية فتحولت أصواتهم إلى «المائية» فلا طعم ولا لون ولا رائحة.
وحدها فيروز بقيت نجمة لم تتغير بل تزداد توهجا مع مرور الايام وذلك لسبب بسيط جدا انها ابتعدت عن عين عاصفة السياسة واطرافها، لذا لم يتلون صوتها بل وهزمت به الزمن وأخضعته وطوعته على وقع ترانيم صوتها الملائكي العذب.
فيروز.. حالة خاصة واستثنائية، فبعد ان تحول جميع نجومنا الى الانطفاء وتحولوا الى ثقوب سوداء «تبتلع» ولا تنتج، بقيت فيروز نجمة... شمسا... بل كتلة نجوم اجتمعت في صوت سكن وجدان العرب كل العرب من تطوان إلى اليمن.
العرب اختلفوا في كل شيء، وحدها فيروز كانت محل إجماع، لماذا؟ لأنها لم تتعاط تبغ السياسة يوما الذي أدمناه جميعا وحتى اننا نقلنا إدماننا الى ابنائنا وسنورثه الى احفادنا.
وحدها فيروز غردت خارج سرب الزمن العربي، فأبهرت العالم قبل ان تبهرنا، لم يصنعها الإعلام، بل لو اجتمع أباطرة الاعلام لما جاءوا بربع «فيروز».
فيروز لم تكن ملكية لبنانية خاصة، ولم اسمع في حياتي كلها من لبناني جملة «ان فيروز لبنانية» وهذا مرده الى ان اللبنانيين يتملكهم الاعتقاد المنطقي البسيط أن النجوم ملك لجميع البشر وليست لهم وحدهم، بل إنني اعتقد ان في قرارة نفوس بعض اللبنانيين «ان لبنان.. فيروزي».
فيروز الصوت المعتق لا يتكرر، بل لن يتكرر، مادام الفنانون والمطربون العرب يتساقطون إما بين أحضان السلطة أو في حفر السياسة، وحدها فيروز نجت من الكارثة العربية وبقيت الأنقى والأبقى والأكثر بهاء والدليل ألبومها الأخير الذي حضرت به أجمل من ذي قبل.
[email protected]