ذعار الرشيدي
بلا مقدمات غيب الموت الزميل محمد باقر، 27 عاما حصدها الموت في غمضة عين، وبين غمضة العين تلك وانتباهتها غاب محمد، شطب من سجلات الحياة، غير انه باق ما بقي الدم يجري في عروق الذاكرة.
سئلت عنه وحاولت ان استحضر ذاكرتي بحثا عن ابتسامة له هنا وحديث له هناك وجلسة معه في ذلك الركن القصي من الأيام الماضية، وأجمل ما وجدت في ذاكرتي ان محمد دأب ومنذ 4 اشهر على امطار بريدي الالكتروني بما لا يقل عن خمس رسائل يوميا جميعا تحملني على الابتسام.
هكذا كان محمد يستعين بأي شيء ليحمل الآخرين على سحابة من الابتسام البريء حتى لو كان قلبه يمطر ويقطر ألما.
كنت استطيع ان اتصل به في اي وقت، وكان يقول عن نفسه: «أنا خدمة 24»، وفي قلبه متسع للجميع اتساع ما بين السماء والارض.
يقول والدي «الناس مرايا الناس، وإذا أردت أن تعرف حقيقة أحد ما فانظر لانعكاسات ذكره بين الناس»، وغاب محمد وبقيت مراياه، فلم يمر على شخص إلا ترك انعكاسا طيبا.
«طيب»، «صحافي شاطر»، «جنتل»، «على خلق»، «دائم الابتسام»، «يحب الخير للناس»، «زكرت»، «هادئ»، «خدوم» و«رجل»، وبلا مبالغة انعكاسه الذي تركه لدي أنه واحد من أنقى الصحافيين الذين مروا على بلاط صاحبة الجلالة.
هكذا تقول مراياك يا محمد، وهي مرايا لم تتأثر يوما بغيابك او بحضورك، فكلهم قالوا هذه الأشياء وأنت غائب عنهم عندما كان الآخرون يسألونهم عنك في حياتك، وهكذا ستستمر الصورة بعد رحيلك.
اغلب مراياك من اصدقائك غالبهم الدمع وغلبهم، وبعضهم شطر الحزن قلوبهم إلى نصفين: نصف سأل «لماذا محمد؟» والنصف الآخر ردد الجملة الكويتية المأثورة «الموت ما يأخذ إلا الطيبين».
تركت لك بين ثنايا هذه المقالة شيئا من ألمي لفقدانك كزميل عزيز أكن له كل احترام وتقدير، وبعضها من دمعي لغياب اعلم أنه نهائي، فلن تصلني رسائلك القصيرة بعد اليوم، ولا رسائلك التي كان آخرها وصولا تمام الساعة الثالثة من عصر يوم رحيلك.
رحمك الله يا محمد، وأسكنك فسيح جناته، وجعل من تحتك نورا ومن فوقك نورا، وجعل قبرك روضة من رياض الجنة.