ذعار الرشيدي
في وصف النقاد لأسلوب الكوميدي الراحل يونس شلبي قالوا: «تميز أسلوبه بجمل البلاهــــة تلك التي لا تؤدي إلى معنى مفهوم، وتمثــــل حالة توهــــان كلامي»، تمامــــا كما في مسرحية مدرسة المشاغبين عندما كان يقول مقطعه الشهير «هو فيه إيه ومـــين مع مين ومين ضــــرب وهو قال لك إيه والا أنتــــه قلــــت لــــه إيه»، وكان هذا هو الأسلوب اليونـــس شلبي الأشهر عندما لعب دور ابـــن الناظـــر في مدرســـة المشاغبـــين.
وما لاحظته أن هذه الجمل اليونس شلبية لا تكاد تكون بعيدة عن الخطاب السياسي اليوم من جميع الاتجاهات والسلطات، ومثال على ذلك بعض التصريحات التي يطلقها النواب تجاه قضية ما فيثار التصريح ويعود صاحبه ليصحح بتصريح آخر ثم آخر وآخر، وحتى في الجلسات تجد أن الكل يتحدث في قضية واحدة بـ600 رأي بمعدل متغير يصل إلى 5 آراء في الثانية الواحدة وهو أمر مضحك جدا تصل معه درجة الإضحاك إلى حد الخطورة على مستقبل البلد.
فنائب يتحدث اليوم عن جشع التجار وبعدها بيوم أو يومين «يحوص» ويمتدحهم ليلقي باللائمة على وزارة التجارة ليأتي في اليوم التالي «وياخذ فوق تحت» ويلقي باللائمة على حاكم جزر الأباطور.
نائب ثان وثالث ورابع وخامس، يغيرون رؤاهم - بل آراءهم - بذات السرعة التي يتنقل فيها مشاهد «طفشان» بين قنوات التلفزيون بضغطة زر.
مشكلة 99% من النواب (يعني 44 نائبا ونصف) أنهم ينطلقون وفق رؤى شخصية فردية محضة، والاستقلالية أمر جيد، والبعد عن الحزبية رائع ولكن ذلك لا يعني أن «تتنطط» آراؤهم كلاعب ترامبولين فوق وتحت وبجميع الشقلبات الممكنة وغير الممكنة، حتى أننا أصبحنا لا نعرف حقيقة موقف أي نائب من أي قضية فتصريحه هنا يختلف عن تصريحه هناك، وتصريحه اليوم يختلف عما يقوله في الديوانية لناخبيه.
إذا أردت أن تعرف حجم المشكلة اليونس شلبية كل ما عليك أن تقوم بعصب رأسك بغترة قديمة وتشد عليها حتى تخرج عروق جبهتك وتحضر 5 أكواب من عصير الليمون المخلوط بالنعناع وتقطب حاجبيك وتذهب للقناة الرابعة يوم بث أي من جلسات مجلس الأمة واستمع إلى«البدع والعجب العجاب» وإذا تمكنت من أن تشاهد لساعة فأنت تستحق الميدالية البرونزية في مسابقات قوة التحمل، وفضية لساعتين، والذهبية لثلاث ساعات أما إذا تمكنت من تخطي حاجز الساعات الثلاث فليس أمامك سوى التوجه إلى الطب النفسي لفتح ملف، لأنه ما من عاقل يمكن أن يقضي أكثر من ثلاث ساعات في مشاهدة بعض اليونس شلبيين وهم «يهذرون على مخه» دون أن يطق له عرق أو يصاب بسكتة دماغية تمحوه من سجلات الحياة، ولا «يكسر خاطري» سوى الزملاء من الصحافيين البرلمانيين الذين يضطرون وبحكم عملهم لقضاء ساعات في متابعة الخطابات المتناقضة لبعض الأعضاء سواء داخل المجلس أو في اللجان و«الله يعينهم».