ذعار الرشيدي
اللهجة الكويتية هي اللهجة التي يعتقد الاخوة العرب – من غير العارفين بالفارق بين اللهجات الخليجية – انها هي لهجة أهل الخليج حتى ان محمد هنيدي عندما اراد تقليد شخصية خليجية في احد افلامه قال: «وراس أمي وابوي» وهي جملة كويتية صرفة ولم نعد نستخدمها بعد ان حرمها البعض لكونها حلفا بغير الله، رغم انها لا تعد اكثر من اسلوب بلاغي في التعبير، ولكن انتهى الامر بتحريمها وليس لنا الا القبول دون مناقشة فمن نحن لنناكف المفتين؟
وحقيقة ان سبب تسيد اللهجة الكويتية بساطة مفرداتها وسهولتها مقارنة ببقية اللهجات الخليجية الاخرى، وهو الامر الذي لا يقلل بالطبع من اللهجات الخليجية الاخرى فلكل منها خصوصيتها ومفرداتها المحببة واسلوبها الذي اعشقه، كذلك قرب لهجتنا من اللغة العربية في معظم مفرداتنا اليومية وللاستاذ الاديب عبدالله خلف كتاب حول هذا الموضوع من جزأين اسمه «لهجة الكويت بين اللغة والادب» ومع ابتعاد اللهجة الكويتية تماما عن وحشي الكلام اصبحت اكثر قدرة على الذوبان في السمع من غيرها.
امر آخر مهم هو ان موقعنا الجغرافي حكم ان تكون لهجتنا ملتقى جميع اللهجات شمالية وجنوبية ونجدية ووسطى لتحول اللهجة الكويتية الى لهجة بيضاء مقبولة لدى الجميع.
ومن اسباب تسيد لهجتنا خليجيا الثورة الدرامية التي ولدت منذ مطلع الستينيات مع البث التلفزيوني فكانت المسلسلات كويتية والمسرحيات حتى برامج الاطفال كويتية، ما جعل لهجتنا تتسيد الخليج اعلاميا، بل انها اثرت على كثير من اللهجات الاخرى فتجد مفردات كويتية خاصة اصبحت تستخدم في عواصم خليجية رغم انها لم تكن ضمن ارشيف لهجاتهم قبل ثلاثين او اربعين عاما ولم يعتبروها دخيلة بل ادخلوها ضمن قواميس لهجاتهم وتحولت الى جزء رئيسي منه.
فنان العرب محمد عبده مثلا عندما اراد الانطلاق نحو الاقليمية الخليجية جاء الى الكويت وغنى «منك انته ماكو فكة»، وهي اغنية بلفظ كويتي خالص 100%، والمرحوم طلال مداح كذلك عندما اراد ان ينفض غبار التأخر في ألبوماته التي اعقبت ألبومه الناجح جدا «نجمة ونهر 1979» في ألبوماته جاء الى الكويت 1988 وقدم ألبوما اعاد الوهج له واعني ألبوم «مرمر زماني» لشعراء كويتيين يكتبون باللهجة الكويتية الخالصة، بعد التحرير تفجر نجم راشد الماجد في ألبوم «دنيا حظوظ» الكويتي النكهة، نعم ولا شك ان عبده ومداح والماجد وصلوا وانطلقوا بلهجتهم النجدية التي تعتبر المتسيدة للمشهد الشعري قاطبة، ولكن كان للهجة الكويتية دور في انتشارهم، وللتوضيح اللهجة النجدية «لهجة اهل المنطقة الوسطى المملكة العربية السعودية» كانت ولم تزل هي لهجة ولغة الشعر الشعبي الخليجي ولا احد يجادل على ذلك، ولكن عنيت بتسيد لهجتنا لمشهد الحديث العامي المستخدم في الكلام لا في الشعر.
ولان المسرح الكويتي اصلا يعتمد على «الحكي» كان هو الاكثر نجاحا والاكثر تأثيرا، ومع عبدالحسين عبدالرضا والمرحوم خالد النفيسي وسعد الفرج وابراهيم الصلال اصبحت افيهاتهم «الكويتية الخالصة» علامات فارقة في المسرح الكويتي خاصة والخليجي بشكل عام، فلم يولد لدينا مسرح يعتمد على الحبكة ولا الفنيات كالضوء والابهار، بل كان «حكي في حكي» لذا تسيد المسرح الكويتي المعتمد بنسبة 98% على الكلام الذي يأتي على بساط لهجتنا.
حتى الشعر النبطي يختلف عن الشعر النبطي في بقية دول الخليج، فتجد الشعراء النبط الكويتيين يطعمون مفرداتهم عمدا بمفردات كويتية خالصة اولا لكونهم كويتيين وثانيا لكونهم يعرفون انها ستصل اكثر من غيرها، واذكر الشاعر السعودي المعروف نايف صقر قال لي ذات مرة «نجحت عندما كتبت قصائدي بمفردات اللهجة الكويتية» وهو امر اعلنه صقر في لقاء مطول معه قبل عامين في «الأنباء».
ليست المقالة مديحا للهجتنا، ولم اقصد المديح اطلاقا، ولكنه عرض واقعي لواقع لهجتنا، ومن المؤسف انه وعلى الرغم مما ذكرته عن لهجتنا وتأثيرها وقوتها وبساطة مفرداتها الا ان كثيرا من الكويتيين عندما يسافرون الى الخارج او حتى يلتقون بمجموعة من العرب يحاولون التحدث بلهجة الآخر اما تقربا منهم او ليبلغوهم كم هم بارعون في اجادة لهجتهم، والصحيح انهم كانوا يمكن ان يتحدثوا بلهجتهم الكويتية وعلى طبيعتهم وسيفهمهم الآخر وحتما سيفهمهم.
وحتى لو لم يفهمهم فليتحدث بلهجته كنوع من الاعتزاز بها، نحن لا نتحدث السنكسريتية بل نتحدث بلغة عربية خالصة بلهجة عامية ولكنها محببة لجميع الخليجيين والعرب، فكما نحب لهجاتهم هم يحبون لهجتنا، وكما يعتزون بلهجاتهم لابد وان نعتز بلهجتنا والدليل ما ذكرته اعلاه.
تحدثوا بلهجتكم، نعم لهجتنا تتغير وتتطور وتدخل اليها مفردات وتموت اخرى ولكن باعتزازنا بها نحن نعتز بهويتنا حتى لو بالكلام، وان منعت الآخر من الاستماع الى لهجتك بدعوى انه قد لا يفهمك فأنت اصلا لم تتكلم بلهجتك حتى تعرف ان كان سيفهمك ام لا؟
رسالة خاصة للشعراء:
عندما تقولون في قصائدكم «أحبك» بدلا من «أحبچ» ذلك اللفظ الكويتي الجميل فأنتم هنا تساهمون بطمس شيء من هويتنا دون ان تعلموا، ولهجتنا ليست بحاجة الى الاستعارة من ألفاظ الآخرين كونها اصلا لا تعاني من اي نقص، بل ان لدينا فائضا «مفرداتيا» كويتيا كبيرا، ولم يستخدم بعد، ادعوكم لقراءة قصائد الشهيد فائق عبدالجليل والمرحوم نايف مخمير وقصائد نايف صقر الكويتية لتعرفوا ان لهجتنا بخير ان امنتم انها بخير.