ذعار الرشيدي
منذ 16 عاما وليس بيني وبين مناهج التربية أي رابط، بعد ان انقطعت الصلة بيننا تماما بخروجي «صاغ سليم» من الثانوية العامة، دون عقد ولا تشوهات ولا انحرافات فكرية على عكس كثير من زملاء جيلي أصيبوا بتلفيات شديدة في التفكير وانحرافات خطيرة في المنهجية وحول شديد في الرؤية السليمة مع قليل من الندب والغرز التي سببتها هوشات متفرقة، خاصة في منطقة الرأس والساعدين، فلا أكاد أشبه خريجي الثانوية العامة لدينا الا بالناجين من حادث مروري خطير اسمه «العملية التعليمية الحكومية».
ما أعادني الى مناهج التربية هو ابني الصغير محمد الذي جاءني يطلبني ان أدرسه مادة الرياضيات، ويا للهول بل ويا لأبي الهول نفسه، ماذا وجدت؟
في الصفحات العشرين الأولى من كتاب الرياضيات للصف الثاني الابتدائي وجدت مصطلحات رياضية لا أعتقد حتى انها تدرس في math101 بل لم تمر في مادة الـ calculus، وان مرت فقد مرت مخففة متدرجة حتى يمكن لعقل طلبة الجامعة ان يهضموها قبل ان يستوعبوها.
لا أعلم من وضع هذا المنهج لأطفال لتوهم بدأوا تعلم حروف الهجاء، فما هي المصفوفات والمتتاليات والمتقابلات لأقوم بشرحها لطفل لايزال يخطئ في نطق الحروف، ووجدت ان طريقة المنهج مجرد طريقة تلقينية وليست تأسيسية أي انها لا تؤسس لشيء في عقل الطفل فكأنهم يعلمونها له مرحليا، وكأنهم يقولون للمدرسين «علموهم واقلبوا الصفحة فهموا أم لم يفهموا ليس من شأنكم».
فمن أهم الأخطاء ان مادة الرياضيات للصف الثاني الابتدائي طريقة تدريسها جاءت تدريبات حسابية مجردة لا تربط التلميذ الصغير بواقعه الحياتي، فلا وسائل تعليمية مرفقة ولا ربط بالتعامل اليومي الحياتي، فلا دروس عن طريقة تحديد الوقت عبر الساعات ولا عرض تشبيهي لعد النقود وتفصيلات العملة ووحداتها المصغرة طبقا لمقولة «نص البلد تجار والنص الثاني مضاربين بالبورصة».
بل ان أهم الأخطاء ان التلاميذ في مثل هذا العمر لا يتقنون القراءة اللفظية للمسائل الرياضية المطلوبة منهم وهذا أحد أكبر أخطاء تدريس منهج الرياضيات الذي أتحدث عنه ويمكن لمدرس لتوه تخرج من الكلية ان يخبركم بهذا الأمر البديهي.
أذكر إن لم تخني الذاكرة اننا كنا في الثاني الابتدائي نتعلم أكبر من وأصغر من، والمنتمي واللامنتمي، والمسائل المبسطة للجمع والطرح وجدول الضرب حتى الرقم 7 ونحفظه «غيبا»، والمجموعات المشتركة، والأشكال الهندسية حتى ان الشكل المخروطي كان يشكل لنا عقدة كبيرة لأننا لا نعرفه في حياتنا، الا مع خروج «برد ذهب» أو الآيس الكريم بقمع البسكويت.
كيف يطلبون من طفل لم يتعلم القراءة ان يلم بمنهجهم الجديد، صحيح جيلي الذي تعلم على المنتمي واللامنتمي لم يخرج عالم فضاء ولا عالم رياضيات ولم يرشح اي منهم لنيل جائزة نوبل للرياضيات بسبب المنهج المتواضع الذي قاموا بتلقينه لنا صغارا، ولكن هذا المنهج الجديد اعتقد انه ليس أكثر من مجرد تدمير حقيقي كونه لا يؤسس لشيء في عقل الطفل، بل هو مجرد تلقين مصطلحات كبيرة ومسائل معقدة لطفل لم يعرف عدد حروف الهجاء بعد.
أدعو القائمين على منهج الرياضيات الى استطلاع آراء مدرسي الرياضيات في المراحل الابتدائية ليعرفوا عن قرب عن أي كارثة أتحدث.
وبما اننا لانزال في رحاب وزارة التربية فقد قدمت لي مدرسة ابني قرارا وزاريا تطلب مني توقيعه والاقرار على تعهد بأنني أوافق على نقل ابني الى مدرسة أخرى اذا ما تجاوز عدد أيام غيابه 15 يوما.
موظفو الحكومة لم يصدر قرار كهذا بشأن فترات غيابهم، فكيف يسمح مسؤولو وزارة التربية لأنفسهم بتطبيق أمر لم يطبقوه على موظفيهم، كيف يمكن ان يعاقبوا تلاميذ صغارا بنقلهم تعسفيا بسبب غيابهم، وهم لم يطبقوا هذا الأمر على موظفيهم كثيري الغياب، أي عقلية هذه؟
نحن أرسلنا أبناءنا للمدارس الحكومية ليتعلموا لا ليتحولوا الى أنصاف موظفين وأشباه معتقلين تصدر بحقهم عقوبات صارمة كهذه العقوبة.