ذعار الرشيدي
ألا تلاحظون معي أن معظم السائقين اليوم يقومون وبطريقة آلية مبتكرة بالتعاون فيما بينهم لكسر القانون، ولا يوجد أدل من ذلك إلا عندما تجد السيارة المسرعة التي أمامك وقد قام صاحبها بإضاءة نور الفرامل 3 أو 4 مرات وأشار لك الى اليمين أو اليسار لينبهك بوجود «كاميرا مرور» خاصة ان كنت آتيا من خلفه بسرعة 1000 كيلومتر في الساعة وكأنه يقول لك «دير بالك لا يصورونك»، لا أعرف سر ظاهرة هذا التعاون على كسر القانون عبر تحذير السائقين بعضهم البعض لوجود كاميرا مرور رغم أن الشخص الآتي من الخلف بسرعة 1000 كيلومتر مخالف للقانون ويستحق أن تلتقط «الكاميرا» صورته وتسحب رخصته بعد أن يدفع «المقسوم» لخزينة وزارة الداخلية، ورغم أنه لا يوجد أي علاقة بين الاثنين إلا أنه يقوم بتحذيره أيا كانت جنسيته وجنسه ولونه، وأنا شخصيا وجدت نفسي مؤخرا أقوم بتحذير الأخوة السائقين من «الكاميرات» الممتدة على طريق الجهراء وجمال عبدالناصر والدائري الثالث، فقد وجدت نفسي أحذر من «الكاميرات» كما يفعل غيري هذا، ولا يوجد مبرر واحد لما نفعله إلا إذا كان يتملكنا اعتقاد يقيني بأن القانون لا يطبق بشكل سليم على الكل، لذا نقوم بكسره أو التعاون على كسره حتى ولو بقدم تشير على دواسة الفرامل قليلا لنحرم خزينة وزارة الداخلية من 40 أو 60 دينارا كان يمكن أن تذهب إليها ونساعد على هروب مخالف من قبضة القانون.
لا أحد في الكويت يسير بسرعة 1000 كيلومتر ولكن لا أعتقد أن أحدا يسير دون الـ 140 كيلومترا، خاصة إذا ما استلم أحدنا بسيارته الجديدة «الحارة اليسار»، والتي هي ملك خاص للكويتيين، وهم مستعدون لدفع 160 كيلومترا في الساعة وحتى 180 كيلومترا من أجل أن يحصلوا عليها ويتملكوها طوال الطريق حتى ولو امتد 20 كيلومترا، ولا أعرف سر حب الكويتيين دون غيرهم لتملك هذه الحارة، فما أن نشاهد وافدا أيا كانت جنسيته يسير على هذه الحارة وكأننا نقول «مو كفاية عليه جاي بلدنا والحين بياخذ حارتنا اليسار» ثم بعد هذه الجملة التي تتحول من حديث خلجات إلى غليان في الدم سرعان ما يصل إلى شرايين القدم اليمنى لتضغط على دواسة البنزين لنقوم بإزاحة هذا الوافد المحتل لحارتنا عبر إلصاق دعامية سيارتنا بدعامية سيارته «ويا ويله يا سواد ليله إذا ما وخر»، رغم اختفاء المد اليساري في الكويت منذ أواخر الثمانينيات إلا أن هناك عشقا خاصا يتملكنا ككويتيين للحارة اليسار.
وبما أنني طرقت قليلا باب المد اليساري، فمن أغرب ما عثرت عليه مؤخرا وثيقة أميركية صادرة بتاريخ 16 نوفمبر عام 1953، مرسلة من القنصلية الأميركية في الكويت إلى مكتب وزارة الخارجية الأميركية بواشنطن يجيب فيها القنصل عن استفسار من الخارجية حول حقيقة وجود نشطاء يساريين في الكويت بعد أن نشرت مجلة النيوزويك الأميركية في عددها الصادر بتاريخ 9 نوفمبر من العام نفسه تقريرا عن المد اليساري في الكويت ومشاركة نقابي كويتي يدعى (اشرا كامل) ـ هكذا كتب اسمه في تقرير القنصل ـ في مؤتمر للحزب الشيوعي في ڤيينا من ذات العام، وقال القنصل الأميركي في الكويت ويدعى هاريسون سايمس في رده: اتصلنا بكل أصدقائنا في شركة نفط الكويت وشركة النفط الأميركية المستقلة العاملة في الكويت وفي الحكومة الكويتية وأكدوا لنا عدم وجود شخص بهذا الاسم ويحتمل أن يكون شخص ما (وهمي) قد مثل الكويت في ذلك المؤتمر المذكور في ڤيينا.
والكويت لا يوجد فيها أي نشاطات لجماعات شيوعية من أي نوع ولا يحتمل قيام مثل هذه الأنشطة في هذا البلد، إلى هنا انتهى رد القنصل.
وكانت النيوزويك في عددها المذكور وعلى ما فهمت من الوثيقة التي رفعت الخارجية الأميركية السرية عنها منذ عامين قد نشرت تقريرا مفصلا تحت عنوان «بقعة لينة جديدة» وكيف أن الشيوعيين بدأوا بنقل جزء من نشاطاتهم عبر كويتيين وغير كويتيين إلى الكويت وخاصة في المجال النقابي وهذا ما حصل فعلا مع بداية العمل النقابي في الكويت ولكن في منتصف الستينيات، ومصطلح «بقعة لينة» كان يعرف أيام الحرب الباردة أنه نقطة سهلة للشيوعيين للوصول إليها.