ذعار الرشيدي
«أعتقد أن مجلس الأمة الحالي سيكمل حتى بداية صيف 2010، حيث تكون الخطوط الرئيسية للعامين المقبلين كالتالي: دور انعقاد جديد، وبداية شد وجذب بين الكتل السياسية أولا، ومشروع استجوابين، سينتهي هذا العام إلى استجواب واحد على الأقل، ينتهي بتدوير محدود جدا في أول يناير من العام المقبل 2009».
وردت هذه الفقرة السابقة في مقال لي نشر في «الأنباء» بتاريخ 4 سبتمبر من العام الماضي قبل بدء دور الانعقاد بشهرين، وتحقق توقعي بالكامل عدا الجملة الأولى التي أراهن عليها كثيرا، وبعدها بـ 3 أشهر وتحديدا بتاريخ 8 ديسمبر 2008 أعدت التأكيد في مقال آخر على أن التدوير في حكومة يناير 2009 لن يزيد على 3 حقائب ولن يقل عن حقيبتين وهذا ما حصل بعد شد وجذب استمرا في مشاورات طالت لأكثر من شهر حتى أُعلنت الحكومة الجديدة القديمة، أو التشكيل الحكومي المعدل قليلا عن الحكومة السابقة.
افترضت وتوقعت وصدق توقعي الذي طرحته قبل أشهر ثلاثة، وسأكمل سيل توقعاتي التي كنت قد ختمتها في مقال 8 ديسمبر عندما قلت إن سؤالا برلمانيا صغيرا سيكون سببا كافيا لحل مجلس الأمة.
وتوقعاتي لا أبنيها على ممارسة هواية التوقع وضرب الودع، بل من باب القراءة المتأنية لما يدور في البلد من جزر ومد بين الحكومة والبرلمان وأطراف أخرى تتداخل في هذا الشد والجذب الذي شكل دوامة أصبح البلد يدور في فلكها وكأن هناك من يريدنا أن نقتنع بألا خلاص من كل مشاكلنا سوى إيقاف كل شيء بـ «الحل».
لا أحد يريد الحل، كما أن أحدا لا يريد أن يتم الحجر على أعضاء مجلس الأمة في استخدام ما هو متاح لهم من أدوات دستورية «وليستجوبوا من يشاءون ومتى شاءوا»، على ذات الجانب لا أحد يريد للبلد أن يستمر في الدوران في الحلقة السياسية المفرغة، على الجانب الآخر هناك ضوء أخضر و«صريح» للتصعيد، ومن قام بمنح هذا الضوء يعلم تماما حجم الاختناق السياسي الذي يتسبب فيه منح مثل هذا الضوء الأخضر على مفترق الطرق السياسية.
الشهران الجاري والمقبل لن يكونا عاديين على الإطلاق في مشهدنا السياسي المثقل بالأزمات وسنشهد حالة من التصعيد أكبر بكثير من تلك التي شهدناها خلال الأشهر الثلاثة الماضية، ستخف نبرة التصعيد السياسي قليلا تزامنا مع القمة، وبعدها يبدأ توالي فتح الملفات المسببة للأزمات، ملفات على وزن «الداو كيميكال» وربما أثقل قليلا وعلى جميع الأصعدة، فهناك ملفات محلية لم تفتح بعد وإن فتحها بعض النواب على استحياء فقط لتسجيل موقف لما هو قادم ومنها ملفات الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد وهي وحدها تضم ملفات من النوع الثقيل التي يمكن لواحد منها أن يسقط 5 حكومات ويتسبب في 10 استجوابات دفعة واحدة.
برأيي ان ما يحدث هو أمر منظم وليس عشوائيا أو فوضويا كما يتصور البعض، فالملفات الثقيلة يتم تسريبها بشكل تدريجي منظم وتلقى تباعا بسب الحاجة لتصعيد النبرة السياسية التي تؤدي بالتالي إلى التأزيم، ولا أدل على ذلك سوى ما يحدث اليوم خلال بحث التشكيل من انسحابات الكتل السياسية من الحكومة الوليدة التي لن تستمر 3 أيام حتى تواجه سيلا من مشاريع الاستجوابات الموقوتة التي ستنفجر ذاتيا بمجرد أن تقوم الحكومة بأداء اليمين الدستورية.
يمكن أن أسميها حكومة الأيام الثلاثة، فعمرها لن يتعدى الـ 72 ساعة في أفضل الأحوال قبل أن تواجه أول كوابيسها وهو استجواب معد وجاهز للإطلاق من على منصة عدد من النواب الحاصلين على الضوء الأخضر.
وليس هناك داع للقلق فالأمر ولله الحمد يسير من سيئ إلى أسوأ، وهذا ما أسميته في مقال سابق بـ «الفوضى السياسية الخلاقة»، نعم هناك من يسعى لتطبيق سياسية الأرض المحروقة سياسيا، من أجل بناء شكل سياسي جديد مختلف في المرحلة المقبلة، وليس ما نشهده هذه الأيام سوى مخاض عسير لشيء قادم لا يعلم كنهه أحد ولا يعرف شكله أحد ولكنه حتما لن يكون على شكل ما نعرف اليوم و«يا خبر بفلوس باچر ببلاش».