ذعار الرشيدي
منذ أن اشتريت أول هاتف نقال لي كان كل همي أن يرسل ويستقبل المكالمات، ولم أفكر يوما فيما يعرف بالرقم المميز وبعد 18 عاما لي مع عالم الهواتف النقالة والأرقام «الخردة» غير المتناسقة لأرقام هواتفي النقالة السابقة، «توهق» أحد أصدقائي وقام بإهدائي مرغما رقما يصنف ضمن الأرقام الإمبراطورية، تلك الأرقام التي حتى الأسبوع الماضي كنت أستغرب وصول أسعارها إلى أرقام فلكية بالنسبة لمحفظتي المتواضعة، فكيف لرقم أن يباع بألف وألفين وثلاثة آلاف دينار، بل إن هناك أرقاما تصل إلى 30 ألف دينار.
جهلي بسبب وصول تلك الأرقام الماسية والملكية والإمبراطورية إلى أسعار خيالية تلاشى ما ان حصلت على الرقم الإمبراطوري الذي حصلت عليه بالمصادفة وبدأت بإجراء اتصالاتي عن طريقه.
وجدت أن الرقم المميز لهاتفك النقال يمنحك هالة «ملكية»، فما أن تتصل على أحد ما لا يعرفك حتى يعتقد أنك إما شيخ أو تاجر «عود» أو حتى وزير أو أقلها اعتقادا قياديا مهما، ودون حتى أن تكشف له شخصيتك فخلال الدقيقة الأولى للمحادثة ستجد أنه يتحدث معك بجمل شديدة الترتيب، وحتى بعد أن تعلمه باسمك والجهة التي تتبع لها سيظل على وتيرة الجمل المرتبة معك، فبظنه أنك لاتزال شخصا مهما حتى ولو قلت له إنك عامل توصيل طلبات فأنت بالنسبة له تبقى شخصا مهما والدليل شاشة هاتفه التي سجلت رقمك «اللي يخرع».
وخلال الأسبوع الماضي وجدت متعة في الاتصال على خلق الله ممن أعرفهم وممن لا لأعرفهم، سواء على مستوى العمل أو على مستوى بدالة المطاعم، وجدت أن الرقم المميز يمنحك فرصة لفتح كثير من الأبواب التي كان يمكن أن تفتح بصعوبة بالغة أيام رقمي الغابر «الخردة».
ومن بين المواقف اتصلت على أحد النواب، والذي كان أفراد سكرتاريته دائما ما يردون علي أيام رقمي «الخردة» ويبلغوني بأن سعادة النائب المحترم سيعاود الاتصال بك، ولكن عندما اتصلت من رقمي «الخطير» وجدت أن النائب تواضع فجأة ورد هو علي بشحمه ولحمه وصوته، بل إن حتى المطعم الذي أتعامل معه جلب لي الطلب في نصف المدة التي كان يحضره فيها إلى منزلي مع «سلطة» هدية من المحل بعد اتصالي به من رقمي الجديد، رغم أن المطعم يعرفني كل من فيه بدءا من صاحبه مرورا بعامل البسطة ومعلم الشاورما وانتهاء بعامل توصيل الطلبات، ولكن يبدو أن الرقم أعاد تعريف تلك المعرفة من زبون عادي معتاد إلى زبون طارئ مهم بسبب الأرقام الستة المتشابهة.
تجاربي مع رقمي الجديد انسحبت على أكثر من موقف وشخص وبغض النظر عن قربهم أو بعدهم أو مستوى تعليمهم وجدت أن الرقم المميز لابد أن يترك أثرا عليهم، وربما بعد تلك التجارب اكتشفت سبب حرص أعضاء مجلس الأمة والوزراء على أن تكون أرقام هواتفهم من ذوات «الستة المتشابهة» بل حتى «السبعة المتشابهة»، غالبيتهم بالطبع وليس جميعهم.
ومن عيوب الرقم المميز أنك تتلقى يوميا ما معدله ثلاثة إلى خمسة اتصالات بالخطأ، بسبب الأرقام المتشابهة.
في النهاية وجدت أن العيب ليس فيمن يشتري أو يقتني الهاتف ذا الأرقام المميزة بل العيب كل العيب هو في تفكير مجتمع بأكمله بحيث يمكنه أن يظنك شخصا آخر بمجرد أن تتصل من رقم هاتف مميز بـ 6 أو 7 أرقام متشابهة.