ذعار الرشيدي
أجزم أن ثلاثة أرباع المرشحين لدينا ليس لديهم خيال سياسي، فبئر حيلهم السياسية نضبت منذ العام 1992، ولم يعد لديهم ما يقولونه سوى اجترار ذات القضايا التي كانت تثار منذ العام 1992 وحتى اليوم، الصحة والتعليم والإسكان والتوظيف وصاحبتها البطالة والشركات والبورصات والتنمية، يلفونها لفا ويلوكونها تصريحا وصراخا حتى انك تقرأ صحف عام 1996 و1999 و2003 و2007 و2008 واليوم 2009 لتجد أن قضاياهم هي ذاتها مع إضافة شيء من البهارات لزوم التجديد كتناول صغائر الأمور بين الحين والآخر، فهناك حوادث المدارس وبالأمس فقط انهيار مسرح «فاضي» في ثانوية الصباحية الذي كان فرصة لتجربة القوة الهجومية لحناجر بعض المرشحين على وزيرة التربية وسل السيوف الخشبية ضد وزيرة التربية التي وبدلا من أن يسألوها عن المناهج الجديدة وأي جيل ستنتج وأي مستقبل ينتظر ابناءنا تجدهم تارة يلوذون بحمى حادثة انهيار سقف وتارة أخرى يتمسحون تبركا بحادثة اعتداء.
عندما خلا مشهدنا الشعري من الخيال أصبح جميع شعرائنا متشابهين وكأنهم سكان بكين، لا يميزون الغث من السمين ولا السمين من «المعصقل»، وعندما خلت ساحتنا الرياضية من اللاعبين القادرين على ارتكاب الخيال وسط الملعب «قوع» فريقنا أزيرق إلى القاع عالميا وإقليميا وعربيا بل ومحليا فكل لاعبينا «مثل مثل» كبيوت الظهر، كما يقول الفنان عبدالعزيز المسلم في مسرحية هاللو بانكوك، فلا إبداع ولا قدرة على ارتكاب الخيال لـ «يطبع» مركب فريقنا إلى مالا نجاة.
الخيال هو سبب تطور العالم الأول وانعدامه وهو سبب تخلف العالم الثالث الذي نحن جزء لا ولن يتجزأ منه، وساستنا ـ أطال الله في أعمارهم ـ توقفوا عن الخيال حتى في تصريحاتهم، فعندما تحضر ندوة في الجهراء تجد ذات القضايا التي يتم تناولها في ندوة في عبدالله السالم وفي الأحمدي وفي القرين وفي أم الهيمان وفي اليرموك وفي مشرف، الحديث ذاته، صحيح أننا بلد واحد وتعدادنا بالكاد بلغ المليون وصغر بلدنا يفرض أن تكون القضايا متشابهة ولكن الطرح واحد هو ذاته وبذات الجمل والترتيب ولا تختلف سوى نبرة وحدة الصراخ المستخدم.
ارتكاب الخيال لا يعني أن يأتي مرشح ويطالب بمناقشة حقيقة الأطباق الطائرة التي ظهرت في الكويت وعطلت عددا من مضخات النفط في العام 1978 وشاهدها قائدا طائرتين يومها وسجلت في تقارير موثقة خاصة بالسفارة الأميركية في ذلك العام، ولكن ارتكاب الخيال هو أن يبدأ المرشحون باستخدام الشفافية في الطرح والدخول في صلب الموضوعات التي يتحدثون عنها دون اللجوء إلى العادة الكويتية الحوارية السيئة وهي «يقولون» و«سمعنا» وأنا أعرف مسؤول ما أبي أقول اسمه، عليهم أن يطرقوا الباب مباشرة ويتحدثوا بكل شفافية أمام ناخبيهم.
الخيال هو أن يبدأ المرشحون بنفض غبار المصطلحات المكررة عن الصحة والتعليم والإسكان وإعادة قراءة الواقع والتوقف عن أسلوب دغدغة المشاعر، بسبب كثرة استخدام المرشحين له طوال سنوات، أصبح الشعبي الكويتي منيعا فلم نعد نضحك أو حتى نبتسم أو نحس بـ «دغدغتهم»، وكأن جلودنا قد «تمسحت».
الخيال هو أن يتوقف المرشحون عن مخاطبة مشاعر الناخبين والبدء بمخاطبة عقولهم، أن يتوقفوا تماما عن نسج الأماني التي تشبه «حزايا الجدات» والتي لم توصلنا إلى شيء منذ العام 1992 واستبدال نسج الأماني بطرح الواقع وتغيير لغة خطابهم الذي أثبت عقمه على جميع المستويات لأكثر من 18 عاما.
منذ 18 عاما ونحن ندور في فلك تصريحاتهم المتشابهة إلى حد التطابق حتى أنك لا تميز المرشحين إلا من خلال أسمائهم أما تصريحاتهم فمتشابهة إلى درجة الملل بل ومتشابهة إلى حد الكآبة.
استبدال لغة الخطاب تتطلب تغييرا جذريا في فكر المرشحين أنفسهم، وأن يلقوا باسطواناتهم المشروخة لمخاطبة الأحاسيس وأن يستبدلوها بحديث العقل.
عندما سئل الأسطورة مارادونا في نهائيات كأس العالم 2002 عن أفضل اللاعبين في نظره قال: «مارك اوفر مارس وزندين زيدان» وعندما سئل عن السبب أجاب: «لأنهما قادران على الخيال في الملعب وهذا ما يميزهما عن بقية لاعبي العالم».
رسالة إلى جميع المرشحين:
ابتعدوا عن اسطوانات الملل «المليقة» التي أصابتنا بالصمم السياسي، وحاولوا ولو قليلا أن «تشدوا حيلكم» وتقدموا لنا خطابات سياسية مبتكرة، أو على الأقل قدموا لنا خطابات تلامس عقولنا لا أحاسيسنا، فقد مللنا فلا «الإسكان» حلت مشكلتها ولا البطالة تقلصت أعدادها ولا الصحة تحسنت ولا التعليم تطور وأنتم ومن سبقكم «طنطنتم» بها حتى صارت ندواتكم بلا طعم ولا رائحة ولا لون.