من خلال واقع تتبع ما يثار عن مشاكل وهموم بلدنا السياسية، سواء في الصحف او القنوات الفضائية او مواقع التواصل الاجتماعي، يتملكك اعتقاد غريب ان تعداد سكان بلدنا يبلغ الـ 200 مليون على اقل تقدير مقارنة بحجم المشكلات والأزمات السياسية التي يتم تداولها، فنحن لا نكتفي بطرق الشأن المحلي ومشكلاتنا الداخلية، بل نتناول الشأن الداخلي لبلدان عدة، فنتحدث عن مصر ولا نكتفي بالحديث او إبداء الرأي بل ننحاز لطرف ضد آخر، ونتناول كلا من الشأن الإيراني والعراقي والسوري والتونسي والليبي ونطرح حلولا لمشكلاتهم ولا نكتفي بطرح وإبداء الرأي بل بعضنا يدخل طرفا في تلك النزاعات إعلاميا وتويتريا، ولا نكتفي بهذا كله بل نجد انفسنا مشغولين بما يفعل الـ «فيفا» ونطرح آراء متطرفة ونجعل ولو لفترة قصيرة استحقاق ميسي لجائزة افضل لاعب قضيتنا الرئيسية، وما ان ننتهي من هذا كله حتى يبدأ بعضنا بالحديث عن نظرية المؤامرة التي تحاك على الوطن العربي، وكأن لنا «في كل عرس.. قرص».
>>>
حتى الأميركان الذين يحكمون ثلاثة أرباع العالم حاليا لم يفعلوا فعلنا، فهم كمواطنين في بلدهم مشغولون بهمومهم القريبة منهم كاحتجاجهم ضد ازالة حديقة يريد تجار ان يحولوها الى سوق تجاري، او قضية سنجاب مريض دهسته سيارة بريد فيدرالي يتطلب وضعه عناية، او مثلا يثيرون استحقاق القروض الدراسية في الجامعة الأهلية، ولكن نحن الكويتيين لا وألف لا، فكل ما يحدث من حولنا يعنينا وكذلك كل ما يحدث في العالم يعنينا ايضا بل نتناوله ونتداوله ونطرح آراءنا الخاصة حوله، وكأننا نلعب ولو إعلاميا دور الإدارة الأميركية في أسلوبها لإدارة العالم التي تحكم ثلاثة أرباعه.
>>>
انا أؤمن بالتخصص، وككاتب أرى نفسي في تحليل الشأن السياسي والقضايا المحلية، لا اعرف ما يحدث في مصر ولا استطيع ان ابدي رأيا قاطعا بالشأن المصري، كذلك عندما أسأل عن الوضع في سورية أو العراق أو حتى مدى التقارب الإيراني ـ الخليجي لا يمكنني الإجابة دون بحث متعمق، ولكن للأسف غالبية الكويتيين مولعون بـ «التعمم» يتناولون أي قضية ويحللونها ويطرحون لها حلولا ويبدون حولها رأيا قاطعا، تخيلوا حتى قضية زيادة أسعار المحروقات في مصر تدخلوا فيها وطرحوا آراء فيها ولا «اجدعها محلل مصري» بل انحازوا لطرف ضد آخر.
>>>
من يتابع تغريدات وتحليلات إعلاميين وساسة كويتيين يعتقد أننا نحن من يحكم العالم وليست الولايات المتحدة الأميركية.
>>>
شعب لا يؤمن بالتخصص، ولا عجب فحكومتنا ومنذ نشأتها الأولى لا تؤمن بالتخصص، فخبير اجتماع تعينه ليدير قطاعا ماليا، وخريج علم نفس تضعه على رأس هرم قطاع تقني، لذا لا ألوم الشعب اذا جنح ذات الجنوح واصبح يتحدث في أي شأن، فلدينا أستاذ علوم نووية يدرس مادة إدارة أعمال وأستاذ تاريخ أميركي يدرس مادة سياسية محلية، وعليكم الحساب.
>>>
علينا ان نؤمن بالعودة إلى التخصص، أعني كل شخص يتحدث في حدود مجال عمله وما يبرع به، لا أن يأتي شخص لا يجيد الإملاء ـ وهو الأمر الذي يعني انه لم يقرأ كتابا كاملا في حياته ـ ثم يتفلسف عليك بقضايا الشأن السياسي المحلي والإقليمي وخباياه وهو لو سألته عن التكتلات السياسية في المجلس الحالي لعجز عن الإجابة، ومع هذا يصر على تحليل الوضع السياسي.
>>>
كما أننا يجب الا نقبل بأخذ تحليل رياضي من شخص لا يفرق بين الضربة الحرة المباشرة وضربة التماس، يجب الا نقبل بتحليل شخص لواقعنا السياسي وهو لا يعرف أسماء أعضاء مجلس الامة ولأي تيار ينتمون.
>>>
قبل ان ننتقد الحكومة ولخبطتها في التعيينات علينا ان نلتفت إلى من يسمون أنفسهم معارضين او يرفعون لواء المعارضة وهم لا يفرقون بين ابسط بديهيات العمل السياسي، ويستبدلون مفردات التحليل والطرح السياسي بالاتهام غير المدعم بالأدلة وشيء من الشتيمة التي لا تليق بأهدافهم النبيلة.
>>>
المعارضة كحراك ليست سيئة ولكن المشكلة ان بعض المنتمين للحراك لا يقلون سوءا في أفعالهم عما يفعله بعض المنتمين للموالاة اليوم.
>>>
توضيح الواضح: رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم تتفق معه سياسيا أو تختلف عليك ان تعترف انه لم يخرج في الإطار العام ـ ولو ظاهريا ـ عن السياق القانوني السليم مع أي قضية محلية كانت.
>>>
توضيح الأوضح: الصراع السياسي في الكويت ليس الأول ولن يكون الأخير، والوضع لايزال تحت السيطرة من جميع الأطراف، فلا يعتقد احد ان البلد يغلي، ولا يصور لك احد الأمر وكأنه نهاية الكون، الصراع طبيعي جدا وسينتهي كما انتهت الصراعات الأخرى بشكل هادئ توافقي وسترون.
[email protected]