ذعار الرشيدي
من خلال تجربتي العملية في الوزارات وشركة البترول ومؤسستها التي استمرت زهاء الـ 15 عاما اكتشفت أن كل قطاع في الحكومة به أشخاص يعدون على أصابع اليد الواحدة على دراية كافية و«غير طبيعية» بكل شاردة وواردة تخص القطاع، وتشمل درايتهم قوانين القطاع والقرارات القديمة والحديثة وكيفية سير العمل وهيكله القطاع بدءا من الوزير وانتهاء بالفراش «ماني»، هؤلاء النفر القليل يعرفون كل شيء حول كيفية تقديم الاجازات وطريقة ترسية المناقصات والممارسات المباشرة وغير المباشرة والتعاقدات بل وأسماء ومسميات جميع الموظفين الذين يرتبطون بالقطاع من القطاعات الأخرى بالندب والنقل والتكليف، ويمكن أن نسمي هؤلاء الموظفين بمفاصل القطاع أو «الفلتات» وهم حقا «فلتات» كونهم عباقرة في أعمالهم وتجد بينهم المدير أو نائب المدير أو المراقب أو رئيس القسم أو حتى الموظف الصغير، وكل واحد منهم يلم بالقطاع ويحفظه غيبا كما يحفظ اسمه الثلاثي والرقم السري لبطاقته البنكية.
هؤلاء المفاصل موجودون في كل قطاع من قطاعات الدولة ويعرف أسماءهم جميع الموظفين والوكلاء والوكلاء المساعدون والمدراء العامون، وتجدهم يستدعونهم كلما دعت الحاجة إلى الاستعانة بمعرفتهم الخطيرة بالقطاع لحل أزمة تعاقد ما أو مناقصة ما أو حتى تدوير في القطاع أو مواجهة قضية مدنية رفعت على القطاع لسبب أو لآخر، متمكنون من عملهم ومعرفتهم الخارقة للعادة تؤهلهم لأن يدخلوا موسوعة غينيس للأرقام القياسية كون أن أيا منهم يمكنه وبسهولة عجيبة أن يسمي لك هيكل القطاع الذي يعمل فيه في أقل من دقيقة يقرأ خلالها آخر 70 قرارا أصدرها الوزير و30 قرارا أصدرها الوكيل و30 قرارا آخر أصدرها وكيل الوزارة.
بحكم معرفة هؤلاء الموظفين المفاصل (الذين لا يشكلون نسبة 1% من عموم موظفي قطاعات الدولة) يتمكنون من معرفة سر كل قرار يصدر وسببه ولم أصدره الوزير أو الوكيل، وتجدهم أصحاب حظوة كبيرة ومقربين لدى المسولين في جميع الوزارات، ويطلبون رضاهم بل ويخشونهم أيضا.
وأنا متأكد أن هؤلاء الـ 1% يستطيعون خلال 24 ساعة ـ فيما لو جمعوا معا ـ أن يعيدوا هيكلة جميع وزارات الدولة بشكل يضمن أداء غير عادي لجميع القطاعات الحكومية، غير أن المسؤولين يفضلون بقاءهم في الظل كمستشارين في وقت الأزمات، وهؤلاء الذين يمكن أن نسميهم أيضا بمسؤولي الظل هم حقيقة من ينيرون دروب المسؤولين الفعليين رغم أنهم لا يظهرون في الصورة، بل إن بعضهم تجد هاتفه موزعا على موظفي القطاع ولا يتوقف عن تلقي الاتصالات من موظفين يرغبون في التقاعد أو يرغبون في تقديم طلب نقل طالبين منهم النصح والإرشاد كونهم أقرب ما يكونون إلى «كهنة القوانين» رغم أنهم لا يرسمونها ولا يضعونها ولكن درايتهم الكبيرة والإلمام بها هو ما أحالهم إلى قبلة للموظفين المستفسرين.
للأسف ان بقية موظفي الدولة الـ 99% هم من جماعة «شدراني»، يعملون بانتظار ما يبتكره «كهنة القوانين» من مجموعة الـ 1%، أمر آخر وهو أن أيا من جماعة الـ 1% هم يستطيعون أن يضعوا أي وزير على منصة الاستجواب كونهم هم الوحيدون القادرون على معرفة جميع الأخطاء والتناقضات في القرارات الوزارية والقوانين المصاحبة لها، وإذا ما غضب أحدهم تجده جمع متناقضات القرارات الوزارية في ملف وناوله لأحد النواب الذي يتعامل معه وفق حساباته السياسية، وغالبا ما يتحول ذلك الملف إلى مشروع استجواب للوزير.