ذعار الرشيدي
أتذكر دكتورا قبليا قال لي ذات مرة إنه مع من يرى بضرورة أن تتحول القبيلة إلى حزب، ولم أجد أمام تصريحه ما أرد به عليه سوى بيت للرائع حمود البغيلي الذي يقول فيه:
- إن كان هذا منطقك وأنت دكتور
- واشلون لو ماكان عندك شهادة
لا يوجد عاقل على وجه البسيطة يمكن أن يقبل بأن تتحول القبيلة إلى كيان سياسي ناهيك عن أن تتحول إلى حزب، لأن هذا الأمر لا يصطدم بأساسيات مفهوم الدولة المدنية التي نتمناها ونريدها ونسعى لأن تتأسس بشكل أكثر ثباتا مما هو عليه الآن فحسب، بل لأن هذا الأمر يتنافى مع أبسط أساسيات قواعد المنطق البسيط.
وأعلم يقينا أن أغلب المثقفين من أبناء القبائل يرفضون رفضا قاطعا أن تتحول القبيلة من كيان اجتماعي إلى كيان سياسي لما لهذا الأمر من خطورة على الوطن أولا وعلى القبيلة ثانيا وما الانتخابات الفرعية سوى مظهر من مظاهر تحول القبيلة من كيان اجتماعي إلى كيان سياسي.
القبائل في الكويت ككيانات اجتماعية مسالمة لا يفترض بها أن تكتسب أعداء خاصة في ظل الدولة المدنية ومع نهاية حديث الفرسان والغزوات التي أصبحت جزءا من إرث ثقافي بعد أن طويت آخر صفحاتها مع بدايات القرن الماضي وبقيت مجرد ذكرى وصفحات محفوظة في صدور أبناء القبائل والذين مع دخولهم كغيرهم من أبناء الحاضرة تحت مظلة الدولة الحديثة تحولوا إلى جزء من النسيج الاجتماعي للدولة، إلى هنا والأمور كانت تسير على ما يرام حتى دخلت القبيلة إلى دار السياسية من باب الانتخابات، وكانت الانتخابات وحتى العام 1992 لا تشكل هما سياسيا لأبناء القبائل فالأمر لا يعدو كونه ترشيحا ونيابة عن الأمة ووجاهة ولكن ذلك لم ينف دخول أبناء القبائل في السياسة في أحداث دواوين الاثنين إبان تعليق الدستور ولكنهم كانوا جزءا من القوى الوطنية الفاعلة ولم يكن أي منهم يتحدث باسم أو نيابة عن قبيلته، حتى كانت انتخابات 1996 بعد أن تنامت نبرة الانتخابات الفرعية وحتى بعد تجريمها على يد أعضاء مجلس الأمة تنامى الأمر وكبر، ولم ينتبه أحد حتى العام 2008 إلى أن القبائل بدأت تتحول إلى كيانات سياسية، بل إنها تحولت بالفعل إلى كيانات سياسية بمرشحين محددين وكراسي محسومة سلفا لأبنائها وقوة في الأصوات تحسم الانتخابات لصالح مرشحيها قبل أن تبدأ خاصة مع تحول النظام الانتخابي إلى نظام الدوائر الخمس الذي «مجهر» الكتل القبلية وأحالها إلى ثقل لا تنكره عين، ولكن لو أن تلك القبائل تحولت إلى كيان سياسي بالمفهوم الاصطلاحي العام أي أن لها أجندتها الخاصة ولها رؤيتها السياسية التي تقوم بطرحها لهان الأمر و«لبلعناه»، ولكنها تحولت إلى كيان سياسي بلا أهداف ومجرد مشروع مفتوح على كل الاحتمالات إلى درجة أن كثيرا من المتنفذين أصبحت لهم يد طولى في بعض الانتخابات الفرعية لعدد من القبائل في الكويت وأصبحوا يدعمون مرشحين محددين أملا في إخراجهم من عنق زجاجة الانتخابات الفرعية وإيصالهم إلى البرلمان وقد حصل هذا فعلا في 2008 و2009 ويعرفه أبناء القبائل قبل غيرهم.
ولتحولات القبيلة من الكيان الاجتماعي المسالم إلى الكيان السياسي أعراض جانبية سلبية لم يحسب حسابها، وهو انه وبتحولك إلى كيان سياسي لابد أن يكون لك أعداء ولابد تكتسب أعداء بالضرورة، والمشكلة أن القبيلة ليست كالأحزاب ينتمي الفرد إليها بتعبئة طلب انتساب بل ينتمي لها الفرد بتبعية الدم والاسم الأخير في البطاقة المدنية هو رسم العضوية الوحيد الذي تدفعه.
كل ما ذكرته أعلاه هو سبب وجود عدائية لا تنكر بين البدو والحضر ونفس عدائي واضح، بعد أن تحولت القبائل من كيانات اجتماعية مسالمة إلى كيانات سياسية صدامية ولا توجد أسباب أخرى.