وثيقة الإصلاح الاقتصادي الحكومية لا يجب ان تحملنا على رفضها المطلق إلا بقدر ما جاء فيها من معارضة للمنطق البسيط للأمور، وألا نقبل منها إلا مما يمكن أن ينقل بلدنا من حالة الجمود الاقتصادية إلى حالة الحراك الاستثماري بما يعود بالنفع على مستقبل بلدنا ورفع مستوى معيشة المواطنين.
فالوثيقة تنص صراحة وتركز انها ستأتي على اصحاب الدخول المتوسطة والمحدودة سواء عبر تضمينها رفع الدعوم او خصم 10% من مرتبات دعم العمالة للمواطنين العاملين في القطاع الخاص.
ولم تأت الوثيقة على اي ذكر لتأثير رفع المستوى المعيشي للمواطنين او تحسين الخدمات التعليمية او حتى تحسين المرافق او نوعية ومستوى الخدمات التي توفرها الجهات الحكومية، رغم انها تشير صراحة الى الخصخصة وبيع أصول مملوكة للحكومة لشركات القطاع الخاص، ركزت الوثيقة على البيع او الخصخصة «ولا فرق هنا» بحسب الوثيقة، ولم تتطرق تلك الوثيقة التي كتبت بطريقة إنشائية الى ما اذا كانت تلك الخصخصة المأمولة ستؤدي الى تحسين الخدمات التعليمية والصحية وتطويرها، وعما اذا كانت سترفع من المستوى المعيشي للمواطنين أو تحسين نوعية الخدمات التي ستقدم اليهم عبر شركات القطاع الخاص التي ستؤول اليها، بل إن الوثيقة لم تتطرق ابدا للحديث عن تشريعات بقوانين لتجبر القطاع الخاص على تقديم افضل خدمة بما يحفظ حق المواطن والمقيم في الحصول على افضل خدمة ممكنة من الشركات التي ستدير جهات تعليمية ومنشآت صحية وغيرهما، بل ذكرت البيع دون ضوابط ما بعد البيع، وهنا الامر يكون بيعا وليس خصخصة.
أما لمن يسأل لم نمتدح رؤية الشقيقة المملكة العربية السعودية 2030، وننتقد وثيقتنا، فهو لسبب بسيط، ان رؤية المملكة العربية السعودية 2030 تقوم على محورين رئيسيين واضحين وضوح الشمس، أولا ان اتجاهها للخصخصة ليس بيعا لأصول وشركات حكومية بقدر ما هو تحول الى الاستثمار في تلك الأصول والشركات التي ستتم خصخصتها ليكون الاستثمار دخلا رديفا لدخل النفط، فالمسألة واضحة هي ليست بيعا إنما هي خصخصة للتحول من التأميم الى الاستثمار، فالحكومة بشراكة القطاع الخاص ستؤسس ما بعد الخصخصة وبالشراكة مع القطاع الخاص مناخا استثماريا داخليا سيكون بؤرة جذب لاستثمارات خارجية، وكل هذا سيصب في صالح المستوى المعيشي لمواطنيها سواء عبر رفع مستوى الدخل او توافر فرص عمل، وهو ما أعلنه ولي ولي العهد السعودي صاحب السمو الملكي الامير سلمان عبدالعزيز صراحة عبر لقائه مع قناة العربية الأسبوع الماضي، أما الشق الثاني الذي فهو إعلانه في ذات اللقاء ان الرؤية لن تمس الدعوم للطبقتين المتوسطة والمحدودة.
وثيقتنا الاقتصادية طرحت فكرة البيع او الخصخصة وأرقام المبالغ التي ستتخلص منها خزينة الدولة دون التطرق الى تأثيرات تلك الإجراءات على المواطنين او على مستوى الخدمات او اذا ما كانت ستفتح بابا أوسع لفرص التوظيف.
وثيقة الإصلاح الاقتصادي ربما تكون شيئا رائعا جميلا، ولكن الحكومة للاسف وكالعادة لم تعرف كيف تسوق لهذا المشروع المفصلي، وطرحته هكذا عبر عشرات الصفحات وطريقة عرض باوربوينت لا تصلح لمشروع تخرج ناهيك عن ان تكون خارطة طريق إصلاح اقتصادي لدولة.
المسألة ليست هي ان تقدم وثيقتك بل كيف تسوقها إعلاميا وتطرحها بشكل كامل غير مبتور.
أكرر ربما تحوي الوثيقة أساس مشروع إصلاح اقتصادي حقيقي، ولكن تسويقها كان بنظام «هذا اللي عندنا تبون والا لا».
توضيح الواضح: من الواضح ان الحكومة بحاجة الى اعادة تشكيل فريقها الاعلامي وان تطعمه بالخبرات المحلية المحترفة بعيدا عن الاستعانة بشركات خارجية تروج إعلاميا لبعض مشاريعها بنظام «اذاعة صوت العرب» ايام ما قبل النكسة.
[email protected]