حتى تتقدم في معركتك السياسية عليك ان تعرف أين تضع قدمك على ارض الواقع، عدا ذلك انت مجرد حالم سياسي لا أكثر ولن تحقق شيئا.
ومادمت لا تملك الأدوات التي تؤهلك لفرض الواقع الذي تريده او تسعى لتحقيقه فأنت لن تظل محلك سر فقط، بل ستخسر المزيد من مساحة ارض الواقع التي بموجبها تتحدد موازين الربح والخسارة في كل معركة تخوضها، بل ان الأمر سيؤدي في النهاية الى خسارتك كل شيء، وستبقى مجرد حالم سياسي كل أدواته هي التنظير والخطابات وشيء من حماس المعركة الذي سرعان ما يخبو بريقه وأنت ترى رقعة مساحة ارض الواقع تتقلص من حولك.
المعارضة ومنذ 3 سنوات وهي تتعامل مع السياسة كحلم، ابتعدت تماما عن التعامل مع الأمور على أرض الواقع وفضلت ان تعيش واقعا افتراضيا خاصا بها بعيدا عن الواقع الحقيقي المعيش، فكان من الطبيعي ان تتوالى خسائرها، ايضا رهاناتها غالبا كانت في غير محلها، بل وعمدا أحيانا راهنت على أحصنة خاسرة او أحصنة لم تكن تملك أدنى فرصة.
قاطعت ورفعت راية المقاطعة كحل نهائي وأحرقت كل سفن التواصل مع الواقع وفضلت ان تلعب وفق قواعد عالمها الافتراضي، بينما الحكومة والسياسيون الآخرون فضلوا اللعب وفق قواعد أرض الواقع عبر القنوات الدستورية والقانونية المتاحة، فكانت الغلبة لهم دوما.
المعارضة، أو على الأقل ما تبقى منها، لازالت تلعب وفق قواعدها لا وفق قواعد المنطق والقنوات الدستورية، كانت أشبه بدون كيشوت تحارب الطواحين.
الآن، من فضل العودة الى أرض الواقع من رموز المعارضة لخوض الانتخابات القادمة، هم سياسيون قرروا ان يغلبوا الرؤية الواقعية على الرؤية السياسية الحالمة بعد ان أيقنوا انه لا يوجد تعديل لأي شكل سياسي حالي يرفضونه او يحتجون عليه إلا إذا كانوا جزءا من العملية الدستورية الديموقراطية اليوم، حتى وان كانوا يعترضون على جزء منها.
يمكنك ان تستمر في مقاطعتك، الأمر هنا خاضع لقناعاتك، ولا يمكن لاحد ان يلومك او ينتقص من عملك كونك تعمل وفق مبدئك، ولكن لم يعد هناك مبرر واحد منطقي للمقاطعة، ربما كانت المقاطعة في المجلس المبطل الثاني لها ما يسوغها سياسيا بين بعض أطراف المعارضة او ما كان يعرف بالأغلبية كونهم كانوا الخاسر الأكبر في إبطال «المجلس المبطل الاول» كونهم رأوا أن الإبطال وما تلاه كان يستهدفهم بالدرجة الأولى وهو ما روجوا له ووزعوه بين الناس وأشاعوه، ولكن المقاطعة مع انتخابات يوليو 2013 كانت ولا شك خطأ سياسيا فادحا وغير مبرر، خطأ كانت معالمه تتضح يوما بعد يوم وعاما بعد آخر.
الآن والعد التنازلي لانتخابات 2017 قد بدأ، لا يوجد مبرر سياسي منطقي واقعي واحد للمقاطعة، بل ولا يوجد مسوغ واحد، وسبق ان أشرت ومنذ ما قبل أكثر من عام في أكثر من مقال الى ان المعارضة ستخوض انتخابات 2017، وأنها ستتفكك تدريجيا، وذكرت في مقال «جمهوريات المعارضة المتفككة» قبل أكثر من 6 أشهر ان المعارضة ستتفكك تدريجيا وستشهد انقسامات وهو ما حصل، ولم يكن في الأمر تنبؤ بل قراءة لواقع سياسي.
[email protected]