كنت ومجموعة من الأصدقاء في طريقنا الى منازلنا بسيارة واحدة واستوقفتنا نقطة تفتيش، وصدمنا من كيفية تعامل رجال الأمن في استيقافنا بجملة «اصفط على اليمين» و«هوياتكم» و«تعالوا للضابط» بطريقة عسكرية حازمة ولهجة حادة، واستغربت مع أصدقائي تلك اللهجة غير المعتادة، ونفذنا الأمر الذي صدر من الرقيب الموكل بالتفتيش على الحارة التي كانت تقف بها سيارتنا، وقمنا بركن سيارتنا كما طلب وترجلنا ووجدنا ان رجال النقطة قد استوقفوا ٤٠ سيارة، وكان معنا في انتظار التدقيق على هوياتهم اكثر من ٥٠ شخصا، وساءنا المنظر، بل وتململنا، واستكثرنا كيف يتم استيقافنا بهذه الطريقة نحن ومجموعة الأشخاص الذين معنا، وكأننا متهمون ينتظرون رجال الأمن في نقطة التفتيش للتدقيق على بياناتنا لمعرفة ما اذا كنا مطلوبين جنائيا او مدنيا، وبانقضاء ٥ او١٠ دقائق أعاد لنا الشرطي هوياتنا بعد ان تبين له من خلال الجهاز اننا غير مطلوبين لأي جهة وأننا «خوش أوادم» رغم أن «أشكالنا شبهة»، ويومها وبعد الانتهاء مما حصل معنا من رجال شعرت كما شعر أصدقائي بأن ما حصل إهانة وامتهان لنا ولآدميتنا، واتصلت بصفتي صحافيا ورئيس قسم أمني بأحد قياديي وزارة الداخلية لأنقل له مشتكيا ما حصل من شدة في التعامل من رجال الأمن لنا ولغيرنا ممن تم استيقافهم في نقطة التفتيش، وكيف أن رجال الأمن أغلقوا الشارع ذي الحارات الأربع وجعلوه حارتين، ما تسبب في ازدحام كنت أراه غير منطقي، فقال لي القيادي الذي تلقى اتصالي وعتبي الشديد على ما حصل بصدر رحب وابتسامة كنت أشعر بها من خلف سماعة الهاتف: «يا أخي الكريم، أنتم مررتم بواحدة من اكثر النقاط الأمنية التي نقيمها حساسية وحيوية، فهذه النقطة أمنيا تعتبر مصيدة كبيرة لتجار المخدرات ومروجيها والمطلوبين أمنيا، واغلب الضبطيات الأمنية الكبرى التي تتم نقوم بضبطها في منطقتنا هذه، فنسقط يوميا مروجي مخدرات وبضبطيات كبيرة وخمور ومطلوبين بالمؤبد ومطلوبين بالملايين، بل ومطلوبين للإعدام، فلا تلوموا رجال الأمن على حدتهم في التعامل، فهذا حتما ليس قصدهم، وبدلا ان تعتبروا شدتهم في التعامل تعسفا لِمَ لا تتعاملون معها وكأنها حماية لكم لضبط الخارجين عن القانون وفرض الهيبة، بل وإغلاق الحارات وتقليصها من اربع الى حارتين هي لتقليص فرص هرب اي من المطلوبين او المروجين؟! وكما قلت هي حماية لك ولأصدقائك ممن كانوا معك ومن تم استيقافهم معكم من مواطنين ومقيمين، ففي اللحظة التي تم استيقافكم لخمس دقائق ضايقتكم او تململتم منها ربما أوقف رجال الأمن خلالها متعاطيا او سكرانا كان يمكن يتسبب في كارثة لأي من مستخدمي الطريق سواء أنتم او غيركم او عوائلكم»، الى هنا انتهى ملام القيادي.
فإذا استوقفك رجال الأمن في نقطة تفتيش وبدا منهم بعض الحدة او أغلقوا بعض الحارات وضيقوا الطريق، فهذا لحمايتك وليس ضدك، فرجال الأمن يعملون في درجة حرارة تتراوح بين ٤٠ و٥٠ مئوية، وإذا مو مصدق قف انت تحت الشمس لمدة ١٠ دقائق وحاول ان تبتسم ان استطعت، ولن تستطيع لأنك حتما ستكون في حالة نفسية تجعلك تكره حتى ظلك.
٭ توضيح الواضح: اللواء إبراهيم الطراح وهو الوكيل المساعد لشؤون الأمن العام في وزارة الداخلية حاليا، يعتبر من القلائل من القياديين في الدولة الذي جمع بين المستحيلين، فهو يتمتع بتواضع جم وأخلاق يعرفها القاصي قبل الداني والمتهم قبل المشتكي، ويشهد له برقي تعامله ذلك في عدد من المظاهرات التي كان فيها على رأس رجال الأمن الذين تصدوا لبعض من تلك المظاهرات، والامر الثاني انه رجل محترف في مجال عمله ويتمتع بعقلية امنية حقيقية ويجيد عمله بدرجة احترافية، وقلما تجد مسؤولا يجمع بين هذين الشيئين، فإما ان يكون المسؤول متمكنا من عمله المختص به ولكنه لا يجيد التعامل مع الجمهور، وإما أنه طيب ومحترم وخلوق ولكنه لا يجيد عمله الموكل إليه، أما الطراح فمن القلة التي جمعت بين الأمرين وباقتدار.
٭ توضيح الأوضح: المسؤول الذي تحدثت معه في الحادثة التي ذكرتها عن نفطة التفتيش في المقالة أعلاه هو اللواء ابراهيم الطراح وكان يومها قائدا ميدانيا لإحدى المحافظات.
[email protected]