قالت لي الموظفة: «اخوي كمل أوراقك وبعدين تعال كلمني»، جملتها الاستفزازية أجبرتني على ان أقول لها وفق ما اعرف عن وصف وظيفتها: «اختي الكريمة انت هنا لخدمة الناس وتتقاضين راتبا نظير هذه الخدمة وليس من ان اجل ان توجهيهم بالأمر بطريقة فجة، انت هنا تتقاضين راتبك لخدمة الناس لا للتسلط عليهم»، لم تنبس ببنت شفة، وتوجهت إلى المدير المسؤول عنها ووجدت طابورا من البشر ينتظر في مكتب سكرتيره، والذي توجهت له وأبلغته انني أريد مقابلة المدير فقال لي لا فض فوه: «هل لديك موعد؟! والا ترى طابور البشر الذي ينتظر؟»، فأبلغته بكل احترام انني أرى كل هذا وإنني كمواطن صاحب معاملة كغيري لست بحاجة إلى موعد ولا إلى حاجب حتى يبلغني متى ادخل او لا ادخل على المدير المسؤول عن إنجاز معاملتي، وان مديره يتقاضى راتبا لـ «يخدم» الناس وينجز أعمالهم وييسر الأمور عليهم لا ان يغلق مكتبه ويتقوقع بداخله ويجعل الناس تقف بالطوابير آملا في رؤية معاليه، وان إغلاقه للباب هو خرق لأبسط مفاهيم المهنة التي أوكلت له، وانه ليس من حقه إغلاق الباب في وجه اي مراجع.
وسألت السكرتير: «هل مديرك يخترع الذرة في داخل مكتبه؟! ام انه يجري اجتماعا استثنائيا ليضع الخطط التطويرية للإدارة؟! لا انه فقط يغلق باب مكتبه ليحس بأهميته، والدولة لا تدفع له راتبا لـ «يشعر» بأهميته، بل تدفع له راتبا ليخدم المراجعين ويستقبلهم ويحل مشاكلهم، لا ان يجعل بينه وبين الناس حجابا فقط ليشعر بأهمية عظمته وقلت للسكرتير: «انت هنا لتنظم مواعيده لا ان تنظم الدخول عليه، فإما ان يخرج مديرك او ان يفتح بابه للناس».
خرجت والمدير لا يزال بابه مغلقا، والناس تنتظر تحمل أوراقها طمعا في مقابلة ذلك المدير.
هذه حالة عامة في كثير من إدارات وقطاعات الحكومة، مديرون ومسؤولون يغلقون أبوابهم في وجوه المراجعين، متناسين ان منصبهم وراتبهم الذي يتقاضونه من الدولة هو من المال العام الذي يعتبر المراجعون جزءا رئيسيا من الشركاء فيه، وان وظيفته تقتضي ان يقوم بخدمة الناس وان يكون بينهم وألا يغلق باب مكتبه، هو يمكنه ان يغلق باب منزله ويستقبل من يشاء ويرفض استقبال من لا يريد، اما وهو في إدارة حكومية فليس من حقه ولا حق من هو اكبر منه سواء كان وكيلا او وزيرا ان يمنع دخول أي مراجع عليه، وان لم يكن يعجبه هذا الأمر فالأمر بسيط هو ان يعتذر عن المنصب لمن هو أكفأ منه او ان يستقيل ويذهب إلى منزله.
المفهوم الخاطئ لدينا هو ان الحكومة مكلفة بإدارة شؤون الدولة، وهذا جزء بسيط من عملها، اما عملها الحقيقي بوزرائها ووكلائها ورؤساء هيئاتها ونوابهم ومديريها فهو خدمة الناس واستقبالهم والاستماع اليهم وحل مشكلاتهم.
هذا المفهوم الذي يجب ان يعيه المواطن ان يعرف حقه أولا ان القيادي في الدولة ما وصل إلى منصبه الا لخدمته لا ان يكون وصيا عليه او آمرا او متسلطا، فبما انك كقيادي حصلت على المنصب بكفاءتك او بواسطة عليك ان تعلم ان من اهم شروط المنصب ان تفتح بابك للجميع وانه ليس من حقك ان تغلقه.
على الوزراء خاصة في وزارات الخدمات التي تستقبل الجمهور ان يعمموا مفهوم الباب المفتوح لجميع القياديين، وان يوصلوا فكرة ان من يغلق بابه في وجوه المراجعين ليس كفؤا لمنصبه، وهذه السياسة الإدارية الأبسط التي يجب ان يطبقها كل قيادي في الدولة.
[email protected]