في عام ١٩٩٣ كان مسؤولي هندي الجنسية، وكان سيخي الديانة، كان مسؤولي إداريا وفنيا يوقع على إجازاتي السنوية ويمنحني الإذن بالخروج ويوقع على طبياتي بالموافقة ويكتب تقريري السنوي انا وأكثر من ٤٥ موظفا كويتيا آخرين، لا جنسيته ولا ديانته كانتا تعنيان لنا شيئا، كان مسؤولا بحكم خبرته وتدرجه الوظيفي والاهم إجادته لعمله كمسؤول قطاع كنت اعمل فيه في شركة البترول الوطنية.
***
في أحد الأيام وقبل كتابة التقارير السنوية لموظفيه الكويتيين حصلت مشادة كلامية بينه وبين احد الموظفين الكويتيين الذين يعملون تحت إمرته، من تشاجر معه زميل لنا وكان من أفضل الزملاء عملا والتزاما وأخلاقا وكان «مطوع» أيضا، يومها أتذكر ان مسؤولنا سينج أنهى كتابة وتسليم تقاريرنا السنوية ولكنه لم يكتب او يسلم تقرير زميلنا الذي تشاجر معه، وتأخر في تسليمه نحو أسبوعين، كنا نعتقد انه يريد معاقبة زميلنا المتشاجر معه، كما كنا نعتقد انه يضمر شيئا وراء تأخره في كتابة او رفع تقرير الزميل «المطوع»، لذا قرر مجموعة من الزملاء التدخل ومخاطبة مسؤولنا عن سبب هذا التأخير غير المبرر، وزاروه في مكتبه وأبلغوه بسبب الزيارة وسألوه عن سبب تأخره في رفع تقرير الزميل، فابتسم سينج وقال: «تأخرت لأنني أعلم ان محمدا موظف مجتهد ونشيط ورأيت او فضلت ان أتأخر في كتابة تقريره حتى يزول ما في قلبي عليه من اثر شجاري معه، ولا أريد ان أكتب تقريرا في ظل وجود ذرة من غضب مني تجاهه، فأردت ان أكون منصفا عندما أكتب تقريره بعيدا عن أي تأثر شخصي قد يجعلني أفقد مهنيتي في تقييمه بما يستحق».
***
المهندس سينج لم يعطنا درسا مهنيا في فن الإدارة، بل أعطانا درسا أخلاقيا من الدرجة الرفيعة، ولازال الزملاء يذكرون الحادثة جيدا.
***
على امتداد السنوات التي عملت فيها في شركة البترول عملت تحت إمرة فلسطيني وآخر سيلاني وكان هناك كويتي أيضا، والعمل بشكل عام -كما تعلمت في شركة البترول - لا علاقة له بجنسية الرئيس او المرؤوس، العمل الحقيقي يستند الى مهارات وخبرات وقدرات الشخص، والأخلاقيات في التعامل هي التي تفرق بين البشر وليس جنسياتهم أو أعراقهم أو أديانهم.
***
اليوم يدور حديث رافض لتعيين وافدين في مراكز هامة لمؤسسات وطنية او شبه حكومية بدعوى «وين الكويتيين؟»، ومنها شركات نفطية او شركات خدماتية.
والحقيقة ان التساؤل في جزء منه صحيح ومستحق كون من يطلقه هم أبناء بلد يرون ان لهم الأسبقية والأحقية في نيل هذا المنصب، وكما قلت هذا صحيح في جزئية، ولكن هذا لا يفترض ان يكون أساسا للعمل الإداري لأي شركة، خاصة او عامة تطمح للنجاح الحقيقي والمنافسة.
***
لذا، الحديث باتهامية عن هذا المسؤول في ذلك القطاع فقط لأنه وافد أو عن مستشار وافد في تلك الجهة، وكأن كونه «وافدا» تهمة تستوجب التحقيق والاستجواب، او ان وجود غير كويتي في منصب ما أمر يثير الريبة، هو حديث قاصر مغلف بعنصرية، لأن عليك أن تعامل أي شخص يتولى منصبا كفرد، وتقيس نجاحه او فشله او فساده او تجاوزاته دون الإشارة إلى كويتيته أو عدم كويتيته، وإلا فإنك تلعب على وتر أقصر طولا من شعرة شنبك.
[email protected]