بينما كنت في رحلة ميدانية الى نيويورك مع مجموعة من الصحافيين دخلنا عرضا الى مطعم هوت دوغ لتناول العشاء وتصدرت المجموعة الطلب نيابة عنهم وكنت أنا وثلاثة زملاء تونسي وكرواتي وروماني وبعد ان أنهيت الطلب، همس الكاشير في أذني قائلا: «سيدي لابد ان أنبهك الى ان المأكولات هنا جميعها من لحوم الخنزير ومما يبدو لي ان صاحبك الذي يقف خلفك - كان يقصد زميلي التونسي - انه مسلم فعليك ان تقوم بتنبيهه».
***
تحذيره الهامس لي كان بمنزلة الصدمة، فأنا أبدو شكليا مسلما أكثر من المجموعة، ولكنه افترض أنني لست كذلك ربما لإجادتي للهجة الأميركية عندما طلبت أكثر من زملائي «الأجانب» في نظره أو كما استنتج من طريقة حديثهم، هذه الحادثة كانت مثار تندر الزملاء طوال الرحلة التي استغرقت نحو ثلاثة أسابيع.
***
طبعا لا ألوم الكاشير على ارتكاب خطأ تحديد الهوية، فقد قام ببناء استنتاجه على طريقة حديثي، وخطأ تحديد الهوية أمر نقع فيه حتى في أكثر الأمور وضوحا، فمثلا لدينا ساسة يتحدثون بلهجة معارضة حادة، ولكن من خلال تتبع تصرفاتهم وأفعالهم نجد أنهم أبعد ما يكونون عن المعارضة، بل انهم حكوميون أكثر من الحكومة نفسها.
***
مشكلة المعارضة او المتعاطفين معها او حتى عشاق النفس المعارض لدينا يقعون في خطأ تحديد هوية الساسة، فليس كل من تحدث بنفس معارض «كلاميا» بالضرورة معارض، ولو عدنا للاستجوابات منذ استجواب وزير الإعلام ووزير الشباب الشيخ سلمان الحمود مرورا باستجواب وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الشيخ محمد العبدالله انتهاء باستجواب وزيرة الشؤون هند الصبيح، والذي انتهى بنيلها ثقة المجلس، وقمنا برسم خط زمني لمواقف النواب المؤيدين والمعارضين لطرح الثقة يمكننا ان نرسم ببساطة الهويات السياسية الحقيقية لتوجهات الساسة في المجلس.
قراءة المواقف السياسية في الاستجوابات الثلاثة ستكشف بما لا يدع مجالا للشك حقيقة النواب حتى المستجوبين منهم وحقيقة توجهاتهم وطبيعة هوياتهم السياسية، ولكننا للأسف نرتكب دائما خطأ تحديد هوية المواقف السياسية للنواب، لأننا نقوم بتحديدها بناء على الخطاب «الكلامي المرسل» من النائب أيا كان ذلك النائب، دون ان نقوم بربط لغته السياسية بكل المواقف السياسية بدءا من الاستجوابات مرورا بقضية الجناسي وأسعار البنزين وانتهاء بقضية دخول المجلس خلال الفترة ما بين يناير ٢٠١٧ حتى يناير الماضي، معها سنعرف حقيقة من هو المعارض ومن هو المتعارض.
***
عامة، المجلس الحالي اثبت بما لا يدع مجالا للشك انه ليس سوى نسخة معدلة من المجلس السابق، وان كل الأحداث التي مرت به لم يكن لها اي دخل بالإصلاح السياسي بالمفهوم الحقيقي، لذا يجمع الغالبية على ان رحيله أفضل من بقائه، بل يرون (وستكون) انه لن يمر مايو إلا ونحن نعيش أجواء انتخابية مبكرة.
***
عامة، شهدنا انتخابات مبكرة خلال شهرين ام لم نشهد، فهذا المجلس بشكل عام يتمتع بأداء أقل من متواضع خاصة ان بقاءه مرهون، وكما يبدو، بقضايا معلقة من المجلس السابق، وهذا لا يعني انه فقط نسخة معدلة من المجلس السابق بل هو اقرب الى الجزء الثاني منه، وكما في عالم السينما الجزء الثاني من الفيلم الأصلي غالبا ما يكون أسوأ من السابق.
[email protected]