مؤخرا اتخذت جميع وزارات الدولة شماعة جديدة لتبرر أخطاءها في إدارة الشؤون الموكلة إليها، والشماعة التي لا وجود لها في أي من دول العالم، لا المتقدمة ولا المتخلفة ولا شبه المتخلفة، هي «الحق على المواطن».
تخيلوا حكومة قائمة جالسة تضع جميع ذنوبها في رقبة المواطن، وآخر الوزارات سيرا في هذا النهج «الساذج» وزارة التجارة التي ألقت باللوم على المواطنين، فبحسب ما نشر هنا في «الأنباء» الأحد الماضي في تقرير كتبه الزميل عاطف رمضان تحت عنوان «هل أعطت وزارة التجارة الضوء الأخضر للتجار لرفع الأسعار؟» كشفت مصادر في وزارة التجارة أن الملام على غلاء الأسعار وتفاوتها الكبير في الجمعيات التعاونية سببه المواطنون الذين انتخبوا مجالس إدارات تلك الجمعيات.
وهذا ما جاء في تقرير وزارة التجارة الأخير الذي أعدته عن الأسعار في الكويت، وهو التقرير الذي حمل من «الكفر» ما لا تستطيع أن تحمله قبيلة كاملة من المرتدين!
وزارة التجارة تنصلت من مهامها وبررت فشلها في ضبط الأسعار وألقت باللائمة على المواطنين الذين انتخبوا مجالس إدارات الجمعيات التي تشكل 70% من مراكز البيع في البلاد! لتضع بذلك 70% من اللوم على رأس المواطن المسكين، وتلقي بجزء من اللوم أيضا على وزارة الشؤون التي تتبعها تلك الجمعيات، وكأنها تقدم بهذا التقرير دفاع براءتها!
ولكن سأورد إلى وزير التجارة أحمد راشد الهارون قائمة تساؤلات أتمنى منه أن يطلع عليها ويقرأها بشكل متأن إلا إذا كان يخشى حتى مجرد التفكير فيها.
أولا: يا سيدي الفاضل، الكويت «محكومة غذائيا بالكامل» من قبل 7 إلى 9 شركات أغذية كبرى موردة «تحتكر» 90% من ماركات المواد الغذائية التي تدخل البلاد.
ثانيا: ألا تستطيع وزارتكم أن تطلع على قوائم الأسعار المعلنة وغير المعلنة لجميع تلك الشركات وحصرها؟ أنا شخصيا أستطيع أن أوفرها لك، فهل تستطيع أن تتخذ أي إجراء بشأنها؟
ثالثا: هل تعلم يا وزير التجارة أن إحدى شركات الأغذية رفعت أرباحها السنوية من 31 مليونا في عام واحد إلى 100 مليون؟ هل فعلت ذلك بتوسعة نقاط بيع موادها الغذائية؟ لا أبدا، كل ما فعلته أنها رفعت الأسعار وقالت لوزارتكم الموقرة «اشربوا من البحر»، فهل تستطيع أنت أو أي من أباطرة وزارتك ممن كتبوا التقرير الذي أشارت إليه «الأنباء» وحمّل المواطن المسكين مسؤولية الغلاء أن يتحققوا من هذا الأمر ويفتحوا تحقيقا موسعا لتعرف من أين تخرج وحوش الغلاء؟!
رابعا: سأقدم لك معلومة حسابية بسيطة جدا، زيادة الـ 100 فلس قد لا تكون ظاهرة للعيان، ولكن قم بضربها باستخدام الآلة الحاسبة التي أمامك في 3 ملايين علبة من المنتج الذي تمت زيادة سعره، سيكون الرقم (300 ألف دينار) ذلك فقط فيما يختص بصنف واحد من الأصناف التي تمت زيادة أسعارها، فما بالك لو قلت لك إن زيادة الـ 100 فلس وضعت على 5 آلاف منتج في ثلاثة أعوام، وحتى لو قمت بضربها على الآلة الحاسبة فستعطيك «error» لأن المبلغ الذي نتحدث عنه هو 750 مليون دينار يا وزير التجارة، هي حصيلة زيادة جميع المنتجات في الأعوام الثلاثة الماضية.
بذمتكم ألا تستحق أن تسمى هذه «سرقة العصر»، لا نشكك أبدا في وطنية وكفاءة الوزير الهارون، ولكن عليه أن يقوم بإغلاق الإشارة الخضراء وأن يبدأ بتحقيق فوري، وقبل ذلك كله يقوم بتمزيق التقرير الذي حملني أنا ومليون مواطن مسؤولية الغلاء.
[email protected]