حقيقة أن من يحاول أن يتابع طريقة عمل الحكومة في إدارتها لشؤون الدولة لا بد وأن يصاب بالدهشة او الحيرة أو الاثنين معا، حكومة يوم تعلن انها ستتأخر في انجاز برنامج عملها الذي من المفترض أن يكون جاهزا مع بداية انعقاد مجلس الامة، وبعد فترة قليلة تعلن انها انتهت من البرنامج، وبعد أن يأتي الموعد تعلن مرة أخرى انها تحتاج الى وقت للتعديل، ويستمر المجلس في عمله دون أن يكون هناك جدول أو برنامج أو خطة عمل يتم العمل من خلالها ومتابعتها وماذا أنجز فيها، إذا نظرت الى الحكومة تجد فيها الاكاديميين والمتخصصين، وهناك جيش من المستشارين ومع ذلك التأخير والتعطيل لا بد منه ما السبب؟.. العلم عند الله، كلام إنشائي مكتوب على ورق لا تقابله أي استعدادات او تجهيزات ولا يحدد من خلاله متى سيبدأ العمل فيه ومتي سينتهي؟.. كلام في كلام فقط، ومع ذلك يتأخر تسليمه او العمل فيه حتى لو ان الحكومة اكملت دورتها، وبعد كل هذا نفاجأ بالاعلان عن خطة خمسية، يا سلام على المزاج العالي الذي يتمتع به بعض أعضاء الحكومة عندما ينفردون ويطلقوا العنان للتصريحات المطاطة، كل منهم يغني على ليلاه وكأنه لا يتبع حكومة من المفترض ان تكون متضامنة في عملها وفي انجازاتها وفي إعلانها عن أي مشروع تفكر في إعداده او الإعلان عنه او عرضه على مجلس الأمة.
كل وزير يخرج للصحافة ويصرح بأمور تتبع وزارته او لا تتبعها، يعني من الممكن ان تسأل مثلا وزير التجارة عن استعدادات العام الدراسي فيجيبك، وتسأل وزير الصحة عن مواضيع تتعلق بوزارة المالية فيفيدك، بما يعرفه ولا نستغرب هذا «العك» والفوضى مادام انه لا يوجد هناك ناطق رسمي باسم الحكومة يجيب عن كل المواضيع التي ناقشتها او ستنفذها الحكومة، الصحافيون عند نهاية كل جلسة يأخذون التصريحات والإجابات عن أسئلتهم من أي وزير يقابلهم، سواء في مجلس الامة او في مجلس الوزراء أحيانا، وليس دائما بعد نهاية جلسة مجلس الوزراء يقوم وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء بتلخيص ما دار في اجتماع الحكومة الأسبوعي لوسائل الاعلام، وهذا طبعا لا يكفي ولا يمنحه التفرد في التصريحات وتمثيل المجلس، لأن من يأتي بعده من الوزراء يعلن عن أمور ربما ان وزير الدولة لم يعلن عنها او لم يتطرق اليها وربما يكون رأيه وكلامه مخالفا لما تم الاعلان عنه، ولا ندري من المستفيد في النهاية!
ألا يحق لنا ان نتساءل بعد كل هذه التداخلات واحيانا التسريبات هل من المعقول ان تكون هناك بالفعل خطة خمسية؟ الإجابة مفتوحة للجميع، دول كثيرة حولنا لم تكتف بالخطط الخمسية بل تجاوزتها منذ سنوات عدة وأخذت تعمل بالخطط العشرية والعشرينية أي تخطط لمستقبل أجيالها على مدى عقد وعقدين من الزمان، ونحن مازلنا نعلن طوال اجازة المجلس الماراثونية كالعادة ان البرنامج سيقدم مع بداية دور الانعقاد بشرط اذا أردتم للحكومة أن تنفذ برنامجها ألا تتعرضوا لوزرائها، لا نريد استجوابات حتى لا تتأخر التنمية والإصلاح، ما العلاقة بين هذا وهذا؟! هل هناك مادة في الدستور تدعوا الى تخلي الاعضاء عن رقابتهم للوزراء؟ هل هناك مادة في الدستور تدعو الى تأجيل الاستجوابات؟! أليست مطالبات الحكومة بمنزلة تفريغ للدستور من محتواه والتلاعب في أمور غير دستورية ستخلق منازعات ومشادات في المستقبل؟ اضافة الى الاستعانة بالمحكمة الدستورية التي اصبحت شماعة للحكومة في اي قضية تعجز عن حلها، حكومة بهذا الشكل وبهذا المضمون لن تستطيع ان تنفذ لا خطة خمسية ولا حتى خطة شهرية وهذا ليس تحاملا على الحكومة، ولكن الامور واضحة وضوح الشمس ولا تحتاج الى سؤال أو تفكير الناس سئموا من ممطالة الحكومة وإضاعتها بعدما فقدوا الأمل في المجلس.
العالم اليوم كله تقدم بعدما كنا في المقدمة، لن اقول نحن اليوم في مؤخرة الدول بل ربما ليس لنا مكان بينهم والسبب الحكومة لا تريد استجوابات للوزراء يعني تريد مجلسا استشاريا مراعاة لمشاعر وزرائها ان التفكير والنهج الحكومي إذا لم يتغير فلن يحدث شيء، وأسهل أمر في الدنيا الكلام ولكن يا حكومتنا الرشيدة الناس ملوا من الكلام ويريدون الفعل فهل من الممكن ان نرى فعلا او ستبقى الامور كما هي كالعادة كلام في كلام.