من يتابع التشكيلات الحكومية السابقة والأسلوب المتبع في طريقة اختيار الوزراء، لاشك أنه ستتولد عنده قناعة أن الطريقة واحدة ولم يطرأ عليها تغيير منذ زمن طويل، خصوصا من بعد تحرير الكويت، والتشكيل الحكومي لا يستمر أكثر من سنتين في أحسن الأحوال، والسبب بالطبع مجلس الأمة لأن هناك من يتابع ويراقب أداء الوزراء، وهذا لا شك أنه شيء جيد لأنهم يجدون بعض التجاوزات والقصور في عمل الوزراء وعملية متابعتهم لما يجري داخل وزاراتهم بالشكل المطلوب، وطبيعي أنه لولا مجلس الأمة لاستمر عمل الحكومة وأكملت دورتها التي من المفترض أن تكون 4 سنوات، والسبب أنها لم تجد من يقيم أداءها أو ينتقدها أو يحاسبها حتى لو كان عملها سيئا، ربما أن البعض يعتبر هذا الأمر تشددا من مجلس الأمة ويرمي باللوم على أعضائه، وآخرون يرون أن الخطأ يقع على الحكومة، لكن حتى نكون منصفين فإن المسؤولية يتحملها الطرفان، إلا أن وجود مجلس الأمة ورقابته وعملية تقديم الأسئلة للوزراء واستجوابهم أمر مهم ومطلوب حتى لو تغير الوزراء كل شهر وليس كل سنة، لأنه من غير المعقول السكوت عن السلبيات وما يتبعها من ظلم للمواطنين، سواء من الموظفين في هذه الوزارات أو متلقي الخدمات وطريقة التعامل معهم بحيادية وإنصاف دون تفرقة بين الناس، وهذه الأمور تحدث حتى في وجود مجلس الأمة، لكن على الأقل تجد من يواجهها ويرجع الحق إلى أصحابه، أما إذا لم يكن هناك مجلس أمة فالأمور لاشك أنها ستنقلب رأسا على عقب، والدليل عندما تم حل مجلس الأمة حلا غير دستوري في الثمانينيات من القرن الماضي تعقدت معظم الأمور وكل شيء تعطل، ومنهم من لعب في المال العام ولم يجد من يحاسبه أو يردعه.
كثيرون ظلموا، وحقوق أفراد سلبت وغيرها من الأمور التي يطول الشرح فيها نحن لا نود أن نشبه البلد بغابة في حال تم حل المجلس حلا غير دستوري إلا أنها في الحقيقة لا تبعد كثيرا عن هذا التشبيه، والغريب أن هناك من يطالب بمثل هذا الحل، والسبب أنه لن يتأثر بهذا الحل بل ربما يستفيد وتمشي مصالحه أكثر وأكثر، خصوصا بعض الفئات من التجار الذين شاهد الناس أفعالهم من خلال الزيادات المجنونة وغير المنطقية في الأسعار بحجة الأزمة الاقتصادية على الرغم من أنهم أنفسهم يدعون أنهم يطالبون بالمحافظة على الدستور ويحرصون على عدم التعرض له، وهذا لاشك أنه كذب يتظاهرون به وفي الخفاء يتمنون تمزيقه وإلغاءه حتى يجعلوا الناس يعيشون في توهان وتفكير مستمر. ربما أننا تشعبنا عن موضوعنا الرئيسي بعض الشيء بسبب المرارة التي نشعر بها ويشعر مثلنا بها الكثيرون نتيجة التشكيل الحكومي المستمر الذي نراه مرة على شكل تعديل، وأخرى على شكل تغيير أو تبديل بين الحقائب، ومرة حل حكومة بالكامل بسبب حل المجلس، وكلها تأتي في قالب واحد وترجع نفس الوجوه في الوزارة الحالية أو الحكومات السابقة وكأنه لا يوجد في البلد غير هذا الولد والتجربة الأخيرة أعتقد أنها القشة التي قصمت ظهر البعير عندما علق عمل مجلس الأمة السابق لأكثر من شهرين بحجة التشكيل الوزاري الجديد والبحث عن وزراء وبعد هذه الفترة الطويلة التي لم تحدث ولا مرة واحدة في تاريخ الكويت بعد كل هذا الانتظار والتعطيل ترجع الحكومة بكامل وزرائها وبنفس مناصبهم إلا واحدا أو اثنين خرجا بناء على طلبهما. الحمد لله أنني لم أكن عضوا في مجلس الأمة في تلك الفترة لأنني كنت سأكون بين خيارين: إما أنني كنت سأموت من الغبن والقهر أو أنتحر والعياذ بالله.
وحقيقة مازلت أحسد نواب تلك الفترة على سعة صدرهم وتحكمهم في أعصابهم، أن الحكومة عندنا مثل فريق كرة القدم لا يتغير، لاعبون اساسيون ولاعبون احتياط وفي كل لعبة ـ عفوا في كل حكومة ـ يكون هناك اساسيون ثابتون، هجوم ودفاع والخط الوسط من الاحتياط اللي ما عندهم شغل ناطرين بس الاتصال، واللاعب إذا انتهت صلاحيته وانكشفت أوراقه أصبح مستشارا وفي الكرة يصبح إداريا أو مدربا، يعني لا توجد خسارة، داخل واكل وطالع واكل وكل حكومة والجميع بخير!
[email protected]