بقلم: إلياس فرحات *
* عميد ركن متقاعد في الجيش اللبناني
أعدت مجموعة الأزمات الدولية بالاشتراك مع مجلة فورين بوليسي دراسة عن الحروب المتوقع ان تنشب في العام الحالي 2011 وتوصلت الى ان 16حربا يتوقع ان تنشب في العالم داخل دول، معظمها يقع في افريقيا (6) واميركا اللاتينية (5) وثلاث دول عربية في منطقة الشرق الأوسط ودولتان في آسيا.
الحروب التي تتوقعها الدراسة هي في معظمها حروب أهلية داخلية يحتمل ان تشهد تدخلا خارجيا كما هو المتوقع من الأنباء الواردة عن تدخل إسرائيلي في لبنان.
ولا تتوقع الدراسة حروبا واسعة النطاق في منطقة الشرق الأوسط التي كثر الحديث عنها وخصوصا الحرب الأميركية او الإسرائيلية ضد إيران او الحرب الإسرائيلية ضد لبنان وسورية وغزة او الحربين المذكورتين مجتمعتين.
كما انه مازال الخيار العسكري الأميركي ضد إيران مطروحا على الطاولة حسب آخر تصريح للرئيس الأميركي اوباما في حين أكثر الرئيس السابق جورج بوش خلال أواخر ولايته تهديداته بعمل عسكري لضرب المنشآت النووية الإيرانية بالإضافة الى ان الولايات المتحدة استقدمت ثلاث حاملات طائرات الى الخليج في إشارة واضحة لجدية التهديد.
وفي إسرائيل مازال القادة الإسرائيليون يكررون تهديداتهم لإيران في مختلف المناسبات وسبق ان اعلنوا إرسال غواصات الى مياه الخليج، الا ان الباحثين في كلا المركزين اللذين اصدرا الدراسة لم يأتوا على ذكر حرب في الخليج ولهذا استبعدت من الحروب المتوقع ان تنشب عام 2011.
أغفلت الدراسة الحديث عن الحرب في افغانستان وهي قائمة فعلا وامتدت الى باكستان التي توقعت الدراسة نشوب حرب داخلها، وكانت الولايات المتحدة والدول المشاركة في حلف الاطلسي قد قررت المباشرة بانسحاب قواتها من افغانستان في يوليو 2011 على ان ينتهي في عام 2014.
ولا يبدو حتى الآن ان حلا دائما لافغانستان قريب المنال فطالبان مازالت تشن الهجمات على قوات ايساف التابعة لدول الاطلسي وقد منيت هذه القوات باعلى خسائر بشرية في صفوفها منذ انتشارها عام 2001 اذ بلغ عدد القتلى 711 بينهم 498 أميركيا كما ان حركة طالبان باكستان أثبتت وجودها كمنظمة إرهابية داخل باكستان وداعمة لطالبان افغانستان في المناطق الحدودية بين البلدين لاسيما منطقة وزيرستان. واذ اعتبرت الدراسة ان الحرب متوقعة في باكستان بين جهات داخلية متنافسة فان الحرب في افغانستان هي جارية بالفعل بين جهات داخلية تنوب عن بعضها القوات الأميركية والأطلسية.
وتكشف الحروب المتوقعة في أميركا اللاتينية عن اضطراب مزمن للأمن الاقليمي في جنوب الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم وفشل هذه القوة في وضع حد لحالة عدم الاستقرار في تلك المنطقة.
كما يكمن الخطر الأكبر في المكسيك الواقعة جنوبها مباشرة والتي تتفاعل مع ولايات الجنوب اقتصاديا وسكانيا وخصوصا تكساس وكاليفورنيا واريزونا التي اقرت مؤخرا قانونا متشددا للهجرة يحول دون تدفق المكسيكيين اليها.
اما حرب كارتيلات المخدرات فيما بينها ومع الحكومة المكسيكية فقد اتسعت ساحتها ووصلت الى الولايات الجنوبية المحاذية للمكسيك وهذا ما يعرض الأمن القومي للولايات المتحدة الأميركية للخطر.
وأغفلت الدراسة الحديث عن حروب في منطقة القوقاز المتوترة والمرشحة للمزيد من النزاعات مع استمرار التوتر في العلاقات الروسية ـ الجورجية واستمرار تقسيم ابخازيا وعدم التوصل الى حل في الشيشان وكذلك استمرار التهديد الإرهابي للمتشددين داخل روسيا.
وفي شمال افريقيا تجاهلت الدراسة الوضع المتوتر في الصحراء الغربية وازدياد نشاط تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي وأعمال الخطف التي نفذها ضد رعايا فرنسيين وما يمكن ان تؤدي الى تدهور الاوضاع، خصوصا ان الحروب الأهلية المتوقعة في غرب افريقيا مرشحة للانتقال الى الدول المجاورة نيجيريا وساحل العاج وغينيا والإطاحة بالاستقرار الهش في المنطقة بكاملها وتوسيع دائرة المعارك التي تتخذ أشكالا مختلفة، فهي طائفية بين المسلمين والمسيحيين وهي اثنية وقبلية وعشائرية وسياسية في بلدان أخرى.
تشكل هذه الحروب أقسى اختبار لما تبقى من سلطة فرنسا الاستعمارية ومعها أوروبا في افريقيا وقد تحرمها من التحكم ببعض الثروات الطبيعية وخصوصا الماس واليورانيوم والذهب والنحاس.
ورغم الحروب التي وقعت في شمال اليمن بين الحكومة المركزية والحوثيين وتأرجحها بين حرب وهدنة من دون التوصل الى حل سياسي واستمرار الاضطرابات في الجنوب بين الحكومة والحراك الجنوبي الذي يدعو الى الانفصال ومن دون أي أفق لحلول سياسية أيضا بالإضافة الى تهديد منظمة القاعدة في جزيرة العرب المتمركزة في اليمن والعمليات الإرهابية التي تنطلق من اليمن باتجاه الولايات المتحدة، لم تلحظ الدراسة اي توقعات بحرب في اليمن ولم تضم هذا البلد الى قائمة الدول التي تتوقع نشوب حرب فيها، ونعرض فيما يلي أهم ما ورد في الدراسة عن الحروب المتوقعة:
الحروب المتوقعة في أفريقيا
ساحل العاج: يبدو ان ساحل العاج مقبلة على سنة سيئة في 2011 فقد أجريت في أكتوبر الماضي انتخابات رئاسية بعد تأخير دام خمس سنوات وجرت المرحلة الأولى بإشراف المجتمع الدولي من دون أي مشاكل، إلا ان الدورة الثانية التي انحصرت بين متنافسين هما الرئيس الحالي لوران غباغبو ومنافسه رئيس الوزراء السابق علي حسن وتارا تخللتها اشتباكات مسلحة واتهامات متبادلة بالتزوير، وفيما اعترفت الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي ومنظمة دول غرب افريقيا وفرنسا المستعمرة السابقة والولايات المتحدة بفوز وتارا لكنها لم تمنع غباغبو من أداء القسم وقد عين كلا المتنافسين رئيسا للوزراء وحكومة خاصة به، والسيناريو الأسوأ هو نشوب حرب أهلية.
زيمبابوي:تبدو حكومة الوحدة الوطنية في زيمبابوي وهي ائتلاف بين الرئيس روبرت موغابي وزعيم المعارضة رئيس الوزراء مورغان تسفانجيراي في حالة تراجع مستمر ونقطة الحسم هي الانتخابات المتوقع إجراؤها هذا العام 2011.
وحقيقة لم يصبح موغابي وتسفانجيراي صديقين منذ وصلا الى السلطة عام 2009 بعد انتخابات 2008 التي طعن تسفانجيراي في نتائجها، مع انهما اتفقا على حكومة وحدة الا ان موغابي احتفظ بالسيطرة على الجيش والقوى الأمنية ومصادر الدخل في البلاد، أعلن موغابي ان حكومة الوحدة الوطنية سوف تنتهي عام 2011 وانه يريد إجراء انتخابات عامة في منتصف السنة مشيرا انه سوف يستعمل التكتيكات التي اعتمدها سابقا للفوز بالانتخابات، إلا ان تسفانجيراي طالب بدستور جديد للبلاد، وهذا الخلاف وضع الهدنة القائمة منذ عامين على شفير الهاوية ما ينذر باندلاع أعمال عنف إلا اذا استطاع اللاعبون الدوليون التوصل الى تسوية أخرى.
الصومال: يعاني الصومال من التفكك وضعف الحكومة المركزية، تمكنت الحكومة من صد هجوم المتمردين بفضل دعم قوات الامم المتحدة وهي حكومة اتحاد وطني بالاسم فقط، بينما تعاني العاصمة مقديشيو من حصار دائم من المتمردين، وتعتبر حركة الشباب اكبر مجموعة بين المتمردين وتسيطر على جنوب الصومال ووسطه وهي تحاول السيطرة على مقديشيو وتعلن عن رغبتها بإقامة نظام إسلامي متشدد ولا تخفي ولاءها لتنظيم القاعدة.
نيجيريا: كان الوضع في نيجيريا عام 2010 قاسيا، فالرئيس غادر البلاد للعلاج ثم توفي، اشتباكات بين المسلمين والمسيحيين في وسط البلاد أوقعت مئات القتلى وأدى الكشف عن العفو عن الثوار في منطقة دلتا النيجر الغنية بالنفط الى سلسلة من اعمال الخطف والهجمات بالقنابل عام 2011، ليس سهلا على اكبر دولة افريقية في عدد السكان، تقرر إجراء الانتخابات الرئاسية في الربيع والانتخابات في نيجيريا لم تكن يوما عملا جيدا، فعلى الرغم من وعود الاصلاحات الانتخابية مازالت اعمال التهديد وشراء الأصوات موجودة، كائنا من كان الفائز في الانتخابات فإن أمامه أمورا ملحة أولها التصدي للثورة التي اندلعت في دلتا النيجر ولتهديد المتمردين بالهجوم على منشآت النفط والمؤسسات الحكومية.
غينيا: بعد وفاة الرئيس الغيني في ديسمبر 2008 استولت مجموعة من الضباط على السلطة ولاقى الانقلابيون ترحيبا لان الرئيس الراحل كان فاسدا، سرعان ما تبين ان زعيم الانقلابيين موسى كمارا لم يكن قديرا وكانت قمة فشله في سبتمبر 2009 عندما قتلت قواته 150 متظاهرا مسالما في ملعب رياضي مما اثار إدانة دولية واسعة وبعد ذلك أطلق زملاؤه النار عليه ونقل الى المغرب للعلاج وعين خليفته الجنرال سيكوبا كوناتي رئيسا مدنيا مؤقتا لإجراء الانتخابات التي جرت مؤخرا.
الكونغو الديموقراطية: بعد انتهاء الحرب الكونغولية الثانية رسميا والتي استمرت من عام 1998 الى 2003 وأدت الى مقتل 4.5 ملايين شخص، بقيت المناطق الشاسعة في هذا البلد في حالة اضطراب وفي القسم الشرقي يقاتل جيش غير منضبط مجموعة من الثوار للسيطرة على المنطقة وفي خضم اعمال العنف فشلت اكبر قوة حفظ سلام دولية في العالم في حماية المدنيين حتى القريبين من قواعدهم.
تعاني الكونغو من لعنة الموارد الطبيعية اذ تتنافس الحكومة والمتمردون والشركات الخاصة والسكان المحليون على استخراج الذهب والنحاس والكوبالت وغيرها في شرق البلاد وجنوبها، اما الحكومة المركزية فهي تتمركز على بعد 1000 ميل الى الغرب وتفصلها عنها غابات لا يمكن اختراقها وهي من اثنية ولغة مختلفتين عن المتمردين ولا تزال مجموعات الثوار تجوب المناطق الشرقية وتمارس سلطتها بتوحش وقساوة بحيث لن يستطيع اي منهما الفوز على الآخر.
لا يمكن إنهاء أزمة الكونغو إلا اذا غيرت الحكومة والمتمردون تكتيكاتهم، فيجب تجميد العمليات في جنوب منطقة كيفو وشمالها لحين توافر قوات أفضل تدريبا تستطيع حماية المدنيين وعلى الحكومات في منطقة البحيرات الكبرى ان تجتمع على مستوى القمة وتناقش اتفاقيات حول الأراضي وحركة السكان والاقتصاد. اما السيناريو الأسوأ فهو: مجموعات مسلحة في شرقي الكونغو تتقاتل الى ما لا نهاية ويدفع المدنيون الثمن.
الحروب المتوقعة في أميركا اللاتينية
كولومبيا: للوهلة الأولى يبدو العام الحالي جيدا لكولومبيا فالرئيس الجديد جوان مانويل سانتوس فاجأ منتقديه بأن بادر الى تحسين العلاقات مع جارتيه فنزويلا والاكوادور وتعهد بحماية حقوق الإنسان ووضع خطة لإعادة 4 ملايين مهجر كولومبي الى منازلهم. لكن الأنباء ليست كلها جيدة فمنظمة فارك (القوات الثورية المسلحة في كولومبيا)ما تزال تضم 8000 عنصر وضعف هذا العدد من المؤيدين وهي قتلت 30 شرطيا في الاسابيع التي تلت تسلم سانتوس للسلطة لتسجل نقطة على الرئيس الجديد وفي هذه الأثناء انتشرت عصابات مسلحة غير شرعية وسيطرت على سوق المخدرات ومعظم عناصرها من قدامى الثوار وانتشرت اعمال العنف في المدن وزادت جرائم القتل 100% في ثاني مدينة وهي مدلين واذا لم يجر احتواء هذه العصابات فستتراجع كولومبيا بعد ان أحرزت تقدما في مكافحة المخدرات والجريمة وستستأنف فارك أعمالها الإرهابية في المدن الكبرى وسوف يعاني السكان المدنيون من هول هذه الحرب واضرارها، لكن هناك سيناريو آخر وهو اتفاق سانتوس مع الاكوادور وفنزويلا لتعزيز المراقبة في المناطق الحدودية والحد من نشاط المجموعات المسلحة تمهيدا لمفاوضات بين فارك والحكومة لإنهاء النزاع ونزع سلاحها ودمجها داخل مؤسسات الدولة، ويتوقف الكثير على الحكومة من اجل الوصول إلى هذه النهاية.
فنزويلا: راقبوا الرئيس الفنزويلي تشافيز في الأشهر الاثني عشر المقبلة وهو يدفع بالنظام الاشتراكي نحو المزيد من التشد، وبعدما خسر الأغلبية في انتخابات اكتوبر الماضي يعمل تشافيز على شل الهيئة التشريعية قبل المباشرة بعملها في يناير الجاري، بسط تشافيز سلطته على الجيش وقوى الامن وبعض الشركات الخاصة وحاز على سلطة إصدار المراسيم بتفويض من الهيئة التشريعية السابقة.
يمسك تشافيز بقبضته على البلاد فيما تتراكم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والأمنية وانتشر العنف في المدن وسجلت 19000 جريمة قتل عام 2009 وأصبحت فنزويلا ممرا لتجارة المخدرات ومقرا للكارتيلات المحلية والأجنبية، وتتعرض قوات الأمن الى اتهامات بالمشاركة في الجريمة فيما يصعد تشافيز من خطابه ويحث انصاره على قمع اي تحرك للمعارضة الذين استجابوا لذلك وانتشرت مجموعات منهم في الشوارع تحمل بنادق كالاشينكوف.
المكسيك: مرت 4 سنوات على إعلان الرئيس المكسيكي كالديرون الحرب على تجار المخدرات التي أوقعت اكثر من 30 ألف ضحية معظمهم في المناطق الحدودية مع الولايات المتحدة ونتيجة لصراعات مهربي المخدرات فيما بينهم للسيطرة على طرق التهريب وخلال العام الماضي اصبحت مدينة سيداد سواريز تنافس كاراكاس على اعلى نسبة جرائم وامتدت اعمال العنف الى قطاعات البلاد الاقتصادية والثقافية التي كانت منيعة عليها، والى الشمال أصبحت طرق الجريمة المنظمة تصل تقريبا الى جميع المدن في الولايات المتحدة. على الرغم من المساعدة الأميركية السنوية بقيمة 400 مليار دولار والدعم العسكري لا تبدو حكومة المكسيك في وضع يمكنها من كسب هذه الحرب.
خلال العام الماضي تعرض كالديرون لانتقادات بسبب حرب المخدرات التي يخوضها فقد تدهورت الأحوال المعيشية وقتل من المكسيكيين في السنوات الاربع الفائتة عشرون ضعف عدد القتلى الأميركيين في افغانستان منذ نشوب تلك الحرب.تم اغتيال 11 عمدة ومرشحين اثنين لمنصب حاكم والصحافة تضغط من اجل تشديد الرقابة الذاتية وسألت احدى الصحف الصادرة في سيداد سواريز في كتاب مفتوح كارتيلات المخدرات ما المسموح لهم بالنشر؟
يحتاج كسب هذه الحرب الى اهتمام السلطة السياسية بالجيش والقوى الأمنية المتهمة بإساءة استعمال السلطة اثناء مجرى الحرب كما ان النظام القضائي بحاجة ايضا الى اصلاح وتقوية. ان اعتماد المكسيك الأساسي هو على جارتها الولايات المتحدة التي تبقى اكبر سوق مخدرات في العالم ومادام مدمنو المخدرات الاميركيون يطلبون هذه المنتجات فان كارتيلات المكسيك سوف تستمر في تأمينها لهم.
غواتيمالا: أحدثت حرب المخدرات ارتدادات في اميركا اللاتينية فبحث قادة الكارتيلات عن مكان افضل من المكسيك التي شددت ضغوطها عليهم فوجدوا امامهم غواتيمالا الدولة الضعيفة ذات المؤسسات الهشة. يمكن ان تصبح غواتيمالا مسرحا للقتال بين كارتيلات النفط المتنافسة على التحكم بطرق التهريب.كانت اللجنة الدولية المناهضة للحصانات في غواتيمالا وهي هيئة مماثلة لمحكمة اعدت من اجل اجتثاث الفساد والموظفين المشتبه في تعاملهم مع الكارتيلات لكن تفويضها ينتهي عام 2011 وقد استقال المدعي العام فيها متهما القيادة السياسية بعرقلة أعماله. من المنتظر ان تجري الانتخابات في اغسطس من عام 2011تشير استطلاعات الرأي الى غياب اي سيطرة محتملة لأي من المرشحين العشرين وهذا ما جعل البلاد في حال من انعدام الثقة.
هايتي: ضربت الطبيعة هايتي عام 2010 بزلزال مدمر أودى بحياة 300 ألف شخص وانتشر فيها وباء الكوليرا وحال بطء أعمال إعادة البناء وصعوبتها دون إنقاذ البلد الافقر في نصف الكرة الغربي. في 28 نوفمبر الماضي جرت انتخابات رئاسية تخللها ادعاءات بالتزوير ولم تتمكن اللجنة الانتخابية من تحديد الفائز فيها وسوف تجري انتخابات بين اول اثنين ممن تصدرا النتائج في يناير 2011. صدرت احتجاجات حول استبعاد بعض المرشحين من الجولة الثانية وحصلت اعمال عنف أدت الى مقتل العشرات. هايتي اليوم على شفير انهيار اجتماعي وهناك مليون مواطن يعيشون دون مأوى بعدما دمرت منازلهم في الزلزال والحكومة التي دمرت مؤسساتها في الزلزال ايضا عاجزة عن تقديم الخدمات او حفظ الأمن. وحدها القوات الدولية قادرة على ذلك. توقفت عمليات الإغاثة بسبب نقص التمويل رغم وعود المنظمات الدولية، عندما تتسلم الحكومة الجديدة السلطة ستجد نفسها أمام تحد كبير. تأتي هذه الانتخابات بعد سنة من كارثة الزلزال وخلال هذه الفترة لم يطرأ اي تحسن واضح على احوال الهايتيين وبدأ صبرهم ينفد.
الحروب المتوقعة في الدول العربية
لبنان: بعد 4 سنوات على حرب عام 2006 يبدو لبنان اليوم أكثر من أي وقت مضى على شفير الهاوية. من المتوقع ان تصدر المحكمة الدولية في الاشهر القادمة قرارا اتهاميا بجريمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري وهي خطوة قد تشعل نزاعا مذهبيا في البلاد وتطيح بصيغة الحكم التي تم التوافق عليها في الدوحة عام 2008 ويمكن ان يشهد لبنان قتالا مذهبيا او اغتيالات سياسية.كل هذه السيناريوهات محتملة في العام2011 وفي الحقيقة ان كلها سبق ان وقعت في الماضي القريب وهذا ما يلقي ظلالا من الشك على الأوضاع في البلاد.
بالإضافة الى المخاطر الداخلية يحتمل ان تنزلق البلاد الى حرب مع اسرائيل. بعد نحو 5 سنوات من حرب 2006 تبدو العلاقة بين البلدين هادئة وخطرة للسبب نفسه: الحشود العسكرية على جانبي الحدود الشمالية لإسرائيل، والتهديدات بحرب واسعة النطاق لا توفر لا المدنيين ولا المنشآت المدنية من اخطارها بالإضافة الى احتمال تحولها الى حرب اقليمية كل هذا يشكل عامل ردع لجميع الاطراف.واليوم لا يستطيع اي من الفريقين ان يدرك ان احتمال نشوب نزاع اكثر كلفة وصعب الاحتواء واقل قابلية على التنبؤ بنتيجته.هذا هو النصف الايجابي من القصة، تحت السطح يتصاعد التوتر من دون صمام امان. لقد ساعد عامل الردع على الحفاظ على السلام لكن متطلبات ديمومة السلام تأخذ الأوضاع في اتجاه معاكس ويمكن ان تشعل الأوضاع وتؤدي الى نتيجة كارثية كانت في الأساس تعمل على تفاديها.
العراق: العراق اليوم افضل بكثير مما كان عليه عام 2007 عندما كان يقتل يوميا اكثر من 20 شخصا جراء الهجمات الانتحارية. الحكومة الحالية التي تشكلت بعد تسعة اشهر من المماحكات تبدو ضعيفة وبحاجة الى مؤسسات حكم فاعلة. البيروقراطية العراقية حديثة العهد وضعيفة والقوات الأمنية لا تزال تعتمد بشكل أساسي على الولايات المتحدة في التدريب والتموين والاستخبارات. الاقليات تشكو من اضطهاد وفقدان الأمن ويعود النزاع الطائفي الى الظهور وقد قتل نحو 300 شخص في نوفمبر الماضي.جيران العراق يستغلون الأزمة السياسية المستفحلة فيه من اجل ان يحققوا مكاسب وخصوصا إيران التي تدعم الشيعة، كما ان المتمردين يتحينون الفرصة من اجل استعادة نشاطهم. القوات الأميركية سوف تنسحب في نهاية 2011 ولن يستغرق الأمر طويلا حتى تعود النزاعات الى سابق عهدها العنيف. لكن يرجح ان يستمر العراق في مساره الحالي ويحافظ على استقراره وسلامة مواطنيه رغم تراجع خدمات الدولة.يمكن ان يكون هذا السيناريو المشوش الأفضل للعراق بعد 8 سنوات من الحرب.
الحروب المتوقعة في آسيا
طاجيكستان: من المنتظر ان يصبح هذا البلد الجميل والفقير الذي يحكمه قادة جشعون ساحة للثوار الإسلاميين من مختلف دول آسيا الوسطى الذين كانوا يقاتلون في صفوف طالبان وربما بدأوا يفكرون بالعودة الى بلادهم لتصفية الحسابات مع الأنظمة القمعية الفاسدة في الدول التي ينتمون اليها. منذ عام 1992 يحكم امام علي رحمنوف طاجيكستان التي ينخرها الفساد في كل جوانبها. جاء في احدى برقيات ويكيليكس ان «الحكومة تتميز بالفساد والمحسوبيات تحكم الجميع من رئيس الجمهورية حتى أدنى شرطي. يسيطر رحمنوف وعائلته على الاعمال الكبرى في البلاد بما فيها اكبر مصرف ولا يتوانى في القيام بأي إجراء للمحافظة على مصالحهم مهما كانت عواقبه على الاقتصاد الوطني». وهناك قلق متصاعد في واشنطن من ان تصبح طاجيكستان مسرحا لعمليات الإسلاميين المتشددين وان يؤمنوا طريقا للوصول الى دول ضعيفة في الجوار مثل قيرغيزستان. من السهل ان نتصور في السنة القادمة طاجيكستان تنزلق الى دولة فاشلة بعدما تفقد السيطرة على بعض المناطق لصالح الاسلاميين المتشددين.
باكستان: من الصعب ان نتذكر مرحلة لم تكن فيها باكستان على شفير الهاوية والعام 2011 ليس استثناء.تعاني باكستان من عدم استقرار امني بسبب تهديدات وهجمات تنظيم القاعدة ومن أزمة سياسية بسبب ضعف الحكومة المدنية الحالية وفشلها في الامساك بشؤون البلاد.
شهد العام 2010 اعنف هجمات إرهابية داخل المدن الباكستانية منذ بداية الحرب في افغانستان ولم يعد تمركز المجموعات الإرهابية مقتصرا على المناطق الجبلية الحدودية فهي انتشرت في المدن الكبرى مثل اسلام اباد وكويتا ولاهور وكراتشي. لا تبدو باكستان عازمة على محاربة الارهابيين بكل قواها وبجدية، كما ان النظام القضائي لم يؤمن ملاحقة الإرهابيين ومحاكمتهم وادانتهم وهذا ما يحتمل ان يؤدي الى تجدد اعمال العنف عام 2011. تسبب الفساد المستشري في خسارة السلطة المدنية وعلى رأسها الرئيس زرداري التأييد الشعبي وبعدم قدرتها على قيادة العسكريين. ان الخلافات بين الرئيس زرداري والقضاء وميل العسكريين الدائم لتقويض استقرار الحكومات المدنية يؤدي الى فشل الانتقال الديموقراطي للسلطة والى عواقب وخيمة على البلد.
النزاعات الأهلية والتدخلات الخارجية
اعدت مجموعة الازمات الدولية بالاشتراك مع مجلة فورين بوليسي دراسة عن الحروب المتوقع ان تنشب في العام الحالي وتوصلت الى ان 16حربا يتوقع ان تنشب في العالم داخل دول معظمها يقع في افريقيا (6) واميركا اللاتينية (5) وثلاث دول عربية في منطقة الشرق الاوسط ودولتان في آسيا.
الحروب التي تتوقعها الدراسة هي في معظمها حروب اهلية داخلية يحتمل ان تشهد تدخلا خارجيا، ولا تتوقع الدراسة حروبا واسعة النطاق في منطقة الشرق الاوسط التي كثر الحديث عنها وخصوصا الحرب الاميركية او الاسرائيلية ضد ايران او الحرب الاسرائيلية ضد لبنان وسورية وغزة او الحربين المذكورتين مجتمعتين.
كما انه مازال الخيار العسكري الاميركي ضد ايران مطروحا على الطاولة حسب آخر تصريح للرئيس الاميركي اوباما.