دخلت المسجد وعمري 26 سنة، فجلست دون أن أصلي ركعتين، فقال لي رجل: قم وصل تحية المسجد، فصليت، ثم دخلت المسجد قبل أذان المغرب، يتابع ابن حزم قوله: فأردت أن أصلي تحية المسجد، فقال لي رجل: اجلس فليس الآن وقت صلاة، فشعرت بالحيرة والخزي، فبدأت تعلم الفقه. ثم أصبح بعدها من كبار علماء الظاهرية. فكانت المصيبة سببا في تألقه وصيرورته إلى عالم فقيه يحاور ويناظر وله المؤلفات الجليلة. فالذكي وصاحب الهمة العالية هو الذي يتحدى نفسه ومصيبته ليصبح منها علما نافعا لنفسه وللبشرية.
سيبويه ـ قبل أن يتعلم النحو ـ جاء إلى الخليل بن أحمد يشتكي إليه من حماد بن سلمة العالم المحدث. قال: سألت حمادا عن حديث فيه أن «رجلاً رَعُف» فانتهرني وقال لي: أخطأت إنما هو رَعَف. فقال الخليل لسيبويه: صدق حماد. أتلقاه بمثل هذا الخطأ؟ فبعدها لازم سيبويه الخليل بن أحمد لتعلم النحو حتى أصبح عالما يضرب به المثل في النحو، فلا ينبغي لك أن تستجيب للأحزان إذا ما وقعت في مصيبة وتندب حظك وتغطي وجهك كلما ذكرت الموقف الحرج، ثم تغلق على نفسك الباب، بل عليك أن تسفر عن وجهك وتشمر عن ساقيك ثم تنطلق في طريق النجاح.
قال أبو زيد العالم النحوي: كان الذي حداني على طلب الأدب والنحو أني دخلت على العالم في الحديث جعفر بن سليمان. فقال لي: ادنُه: فقلت: أنا دنيٌّ. وأردت أنا قريب منك. فقال جعفر: لا تقل أنا دنيٌّ، لأنها من الدناءة، ولكن قل: أنا دانٍ. فأحرجه أمام الجموع، ولكن انطلق بعدها أبو زيد في تعلم النحو حتى أصبح عالما فيه.
لذا قيل إن آدم عليه السلام بعد خروجه من الجنة أصبح أعلى درجة عند الله تعالى منها قبل خروجه من الجنة إذ ازداد ذلا لله تعالى وتوبة واستغفارا وذكرا وعبودية لجلاله (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)، فكانت النتيجة أن رفع الله مكانته واجتباه (ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى) فكانت مصيبته سببا لتفوقه وتقدمه.