أثارت فتوى عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية السابق د.محمد الطبطبائي استغرابا وامتعاضا من كثير من العلماء وطلبة العلم في الكويت خاصة حول حكمه على الأضحية التي تذبح في خارج البلد بأنها صدقة كسائر الصدقات، وليس لها فضل الأضحية، ورأى البعض أن فتواه تسببت في كثير من اللغط، مشيرين إلى أنها فتوى تفتقر إلى الدليل الشرعي، وأن القائل لها ليس له سلف في ذلك.
»الأنباء» طرحت هذا السؤال المهم والملح في مثل هذه الأيام المباركة على فضيلة الشيخ د.محمد النجدي، وعن حقيقة القول إن الأضحية خارج البلد يصيرها صدقة، فكانت إجابته كالتالي:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، آله وصحبه أجمعين، وبعد، فهذا القول غير صحيح، بل هو مخالف للأدلة الصحيحة، ومعارض لاتفاق أهل العلم والفقه على جواز النيابة والتوكيل في ذبح الأضاحي والهدايا إذا كان النائب مسلما، ولا تكون بالنيابة والوكالة صدقة، ولو لم يشهدها.
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وكل عليا رضي الله عنه بذبح هديه وأضاحيه، وروى الشيخان عنه رضي الله عنه أنه قال «أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه، وأن أقسم جلودها وجلالها، ولا أعطي الجازر منها، وقال «نحن نعطيه من عندنا»، وفي حجة الوداع ذبح النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا وستين بدنة بيده، وأكمل الباقي ـ وهي تمام المائة - عنه علي رضي الله عنه » رواه مسلم وغيره.
والنيابة تحقق بالإذن قولا، كأن يقول له: أذنتك لك، أو وكلتك، أو اذبح هذه الشاة، أو أن يرضى بذبحها أمامه من غير ممانعة، وهكذا الهدي الذي يذبح في الحج، ففي أيامنا يوكل كثير من الحجاج في الحملات شركات المواشي في مكة، المصرح لها بذبح الهدايا، ولا يشهدونها ولا يرونها، فهل تكون بذلك صدقات؟ لا يقول بذلك أحد!
ثم إن الأضحية أفضل من مجرد الصدقة، لأنها واجبة على الصحيح، أو سنة مؤكدة عند بقية الفقهاء، بل هي أفضل من عتق الرقبة عند المالكية، فكيف تكون صدقة؟ فلو تصدق المسلم بقيمة الأضحية في أيام الأضحى لم يكن مغنيا له عن الأضحية.
أما إن كان المقصود أنه يجب عليه أن يشهدها ويأكل منها، فإن الأكل منها وشهودها سنة مستحبة عند جمهور العلماء، لقوله تعالى (فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر).
ولقوله صلى الله عليه وسلم «كلوا وتزودوا» رواه البخاري، ويستحب له الجمع بين الأكل منها، والتصدق على الفقراء، والإهداء للأقارب والجيران، ولم يقل أحد بوجوب الأكل منها إلا الظاهرية.
لذلك فالأولى أن يبدأ المسلم بأن يضحي ببيته، فيأكل منها، ويحيي السنة النبوية بين أهله وأولاده، فإن كان له قدرة على التطوع والزيادة، دفع أيضا إلى اللجان الخيرية لتذبح له أخرى ببلاد المسلمين، فيحيي السنة هناك، ويطعم الفقراء والمحتاجين من إخوانه، والله تعالى أعلم.