أكد مرشد حملة الياسين الشيخ محمد الحمود النجدي في خطبته يوم عرفة في جمع من الحجاج الكويتيين أن الحج مدرسة تربوية عظيمة للأخلاق الحميدة، ويتضمن معاني جليلة ينبغي أن يتفطن لها المسلم جيدا. وأوضح النجدي أن المسلمين قد خرجوا قريبا من مدرسة شهر رمضان التربوية، والتي درسوا فيها الكثير من المبادئ العظيمة، والأخلاق الكريمة، واليوم يدخل المسلمون مدرسة أخرى من المدارس التربوية الإسلامية المباركة، التي اختارها الله لهم، وأتم بها عليهم نعمته، وهي مدرسة الحج الإيمانية التربوية، فيتعرفون فيها أيضا على بعض القيم الإيمانية والأصول الإسلامية، والأخلاق الفاضلة، ويربون أنفسهم عليها.
وأضاف: يتجلى لنا في الحج لبيت الله الحرام معاني عظيمة، ووقفات نافعة للمسلم في دينه ودنياه، أولها الإخلاص، فالحج فريضة تشع جوانبها بإخلاص العبادة لله رب العالمين، وحده لا شريك، وتنطق أركانها بإفراد الله عز وجل بأنواع القربات، يقول الله تعالى (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود). وأوضح أهمية النظر كيف بدأ أمر الله عز وجل لخليله إبراهيم عليه السلام بأن يترك الشرك بالله بكل صوره وأشكاله، أي أمره بإخلاص العمل لله تعالى، وأن يطهر بيته الحرام من كل أنواع الشرك صغيرا كان أو كبيرا هذا ما يدل عليه قوله (أن لا تشرك بي شيئا).
وكذلك أول ما نطق به رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا النسك هو الإخلاص، ففي حديث جابر رضي الله عنه في صحيح مسلم: «فأهل بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك». وهو أول ما يعلن عنه الحاج في حجه أو عمرته، ولما صلى الركعتين خلف المقام، قرأ فيهما بقل هو الله أحد و(قل يا أيها الكافرون) وهما سورتا التوحيد والإخلاص، فسورة الإخلاص فيها التوحيد العلمي وسورة الكافرون فيها التوحيد العملي. ولما رقى صلى الله عليه وسلم على الصفا كبر الله ثلاثا ثم هلل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله وحده، نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده. فهذه مواطن في الحج حقق فيها التوحيد وذكر نفسه والمسلمين به، لأنه أعظم حقوق الله على عباده. وهكذا فكل عبادة وطاعة من صلاة أو صدقة أو صيام أو ذبح لابد أن تبنى على الإخلاص حتى يقبلها الله تعالى، فما لم يبن على الإخلاص لا يقبله الله من عبده، بل هو مردود عليه، كما قال تعالى في الحديث القدسي: «أنا أغنى الأغنياء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه» رواه مسلم.
وقال النجدي ان ثاني المعاني العظيمة التي نستشعرها في الحج والعمرة التطهر، حيث يقول الله تعالى في هذا: (وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود) وما المقصود بالطهارة هنا؟ هل هي طهارة البدن والثياب فقط؟ لا أن المطلوب أكثر من ذلك، يقول الحافظ ابن كثير في تفسيره: «وطهر بيتي» قال قتادة ومجاهد «من الشرك»، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية «الطهارة أنواع، منها الطهارة من الكفر والفسوق، كما يراد بالنجاسة ضد ذلك، كقوله تعالى (إنما المشركون نجس)، ومنها: الطهارة من الحدث، وضد هذه نجاسة الحدث، ومنها الطهارة من الأعيان الخبيثة التي هي نجسة. وهكذا قال العلماء في المراد من قوله تعالى: (وثيابك فطهر) ان الآية تعم كل ما ذكره ابن تيمية سابقا، من طهارة القلب، فطهارة الثوب والبدن، فطيب المكسب، فإن خبث الملبس يكسب القلب هيئة خبيثة، كما أن خبث المطعم يكسبه ذلك، ولذلك حرم الله ما حرم لحوم السباع وكذا جلود السباع، لما تكسب القلب من الهيئة المشابهة لتلك الحيوانات التي تؤكل لحومها أو تلبس جلودها، فإن الملابسة الظاهرة تسري إلى الباطن.
وتابع ان ثالث هذه المعاني الجليلة المقصودة في الحج الاستجابة لله تعالى بفعل الأوامر وترك النواهي والزواجر، فقد أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام بدعوة الناس إلى الحج، فقال له: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق). فاستجاب إبراهيم عليه السلام لأمر الله تبارك وتعالى، فنادى بذلك النداء الرباني، واستجاب الناس لدعوة إبراهيم عليه السلام، وكل من كتب الله له الحج، فحجه أبناؤه وأحفاده من النبيين والمرسلين، ثم من بعدهم من أنبياء الله، ثم سائر الناس، ومايزالون يستجيبون حتى الآن، إلا من حرمه الله تعالى من هذا الفضل العظيم، والكرم الواسع، نعوذ بالله من ذلك.
وأضاف أن من مقاصد الحج العظيمة كذلك ترسيخ عادة ذكر الله تعالى في الإنسان، فيذكر الله تعالى دائما وعلى كل حال، قاعدا وقائما وراكبا، وكلما تحول من حال إلى حال، وهو من مطالب الدين الجليلة في كل امة، كما قال تعالى (ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين)، وقال تعالى (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وان كنتم من قبله لمن الضالين)، وهذا في ذكر الله في الإفاضة من عرفة وفي مزدلفة بصلاة الفجر وغيرها، بعد أن أمضى الحاج يومه في التهليل والدعاء في عرفات، وقال سبحانه في الذكر عند رمي الجمار (واذكروا الله في أيام معلومات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه)، وقال في فراغهم من حجهم وعبادتهم (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا)، أي: أن يستغفروا من التقصير الواقع في مناسكهم وذكرهم ربهم على الوجه المطلوب منهم. ومن المبادئ التي يتربى عليها المسلم في الحج الإحسان بكل أنواعه وصوره، الإحسان في عبادة الخالق، والإحسان إلى المخلوق، فيعبد الله الخالق تعالى كأنه يراه، فإن لم يصل إلى هذه الرتبة فليعبده معتقدا أنه يراه وقت عبادته، فيؤدي نسكه وحجه وفق الهدي النبوي الثابت عنه صلى الله عليه وسلم كما قال «خذوا عني مناسككم»، ويحسن كذلك لعباد الله بجميع وجوه الإحسان، بأن ينفع الناس بماله وصدقاته، وما يقدمه من الذبائح والهدايا والأضاحي، كما قال تعالى (فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير)، وكذلك يحسن لعباد الله بأن يعلم جاهلهم، ويرشد ضالهم، ويذكر غافلهم، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، كل ذلك بكلمة طيبة، وموعظة حسنة، ورفق ولين وعلم وحكمة، وغيرها من المبادئ الجليلة التي تستفاد من هذا الركن المبارك.