- الهملان: يأتـي حـدث الهجرة والأمة المحمدية في مفترق الطرق ليضع أقدامها على أول الطريق إلـى العـزة والسيـادة
- الكـوس: الاحتفـال بالعام الهجري واتخاذه عيداً لا أصل له في الشرع ولم يحتفل به أحد من الصحابـة ولا التابعيــن
- القطان: كانت نقطة تحول في تاريخ البشرية ومجاهدة من أجل المبدأ ودروساً في التضحية والفداء لحمـاية الدين والوطن
أشرق علينا هلال المحرم ليجدد ذكرى من أروع الذكريات وأعظمها أثرا في مسيرة الإنسانية يتجلى فيها صدق الإرادة وقوة الإيمان، فرقت بين الحق والباطل والخير والشر، وفصلت بين الهدى والضلال والنور والظلام، وأرست دعائم العدالة وأعلت صروح الفضيلة، تتجدد كل عام هذه الذكرى العظيمة بما تحمله من معان ودروس ننهل من بعضها عبر تلك السطور.
في البداية يوضح لنا الداعية أحمد القطان لماذا كانت الهجرة الى المدينة دون سواها قائلا: كان من الممكن ان ينصر الله الإسلام في مكة ولكن الله شاء ان يحمل الإسلام قوم رأوا في الإسلام عوضا عن أهلهم وأولادهم وأموالهم وهم الأنصار من أهل المدينة، كما أراد الله عز وجل ان يكون نبي الإسلام رجلا أميّا لم يعلمه أحد وبعثه الى أمة أميّة لا تقرأ ولا تكتب حتى لا يقول الناس فيما بعد ان الإسلام انطلق من أمة متحضرة وان دعوة الإسلام كانت نتاجا لنضج حضاري وكذلك جعل الله انطلاقة الدعوة من بلدة ليس لها شوكة في جزيرة العرب فدعوة الإسلام بدأت في مكة لكنها لم تنتشر منها، ولو انتشرت منها لقيل ان ذلك أمر طبيعي لأن مكة كانت بلدة سيادة وسيطرة على قبائل العرب التي تحج اليها وتمر في رحلتي الشتاء والصيف والله عزّ وجل أراد ان تعادي قريش سيدة مكة صاحب الدعوة الجديدة وتجبره على ترك مركز السيادة الى مكان آخر كان له شرف نشر الدعوة الى سائر بلاد العرب بما فيها مكة نفسها.
وزاد: ان موقع المدينة يتوسط بلاد الشام ومصر والفرس واليمن ومن اليسير على النبي صلى الله عليه وسلم ان يتصل بأهل هذه البلاد من خلال موقعه في المدينة.
وقال: ان ما صنعه المسلمون المهاجرون الأوائل في المدينة أثبت ان الإيمان الحق يحيل البشر الى خلائق تباهي الملائكة فهجرة النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن انتقالا من بلد الى بلد بل كانت تعاونا مثمرا لإقامة مجتمع جديد من بلد آمن، فهناك دروس واضحة جلية يجب ان يستفيد منها كل مسلم من الهجرة النبوية الشريفة.
القدوة
وذكر الداعية القطان بعض هذه الدروس ومنها عندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم متخفيا عن أعين خصومه واتخذ الدليل الذي يرشده الى الطريق، والرفيق الذي يؤنس وحدته في السفر، واحتاط للأمر أكثر فجعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ينام في فراشه للتمويه على المشركين، وكان بوسع النبي صلى الله عليه وسلم ان يهاجر علنا كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه والله سيحميه ويحفظه من أعدائه ولكنه صلى الله عليه وسلم ضرب المثل لصحابته ليقتدوا به في الهجرة سرا حتى لا يراهم أعداء الإسلام فيؤذوهم ويضطهدوهم وبذلك تكسر شوكة المسلمين.
معجزات وخوارق
وقال القطان: أراد النبي صلى الله عليه وسلم من الهجرة حقن الدماء وحفظ الأرواح، فرغم ان الهجرة تمت بأسباب البشر وبتدبير الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أيده الله خلالها بمعجزات وخوارق العادات وكانت بمنزلة تدابير إلهية أكملت تدابير البشر، ومن هذه المعجزات نسيج العنكبوت على مدخل الغار الذي اختبأ فيه الرسول وصاحبه، وتعثر فرس سراقة في الرمال أكثر من مرة بعد ان كاد يلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعيده الى قريش، وتحول سراقة الخصم الى مؤمن بالله فعاد الى قومه ينصحهم بأنه لا جدوى من البحث عن محمد صلى الله عليه وسلم لأنه مؤيد بنصر الله.
الأديان الأخرى
ومن الدروس المستفادة أشار القطان الى علاقة الأمة الإسلامية بالأجانب فيها ممن لا يدينون بدينها، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد سن في ذلك قوانين لم يعهدها الناس في عالم كان مليئا بالتعصب والتناحر، فعندما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم الى المدينة وجد بها يهودا ومشركين فقام صلى الله عليه وسلم بعقد معاهدة مع اليهود تأكيدا على ان الإسلام دين تتسع مظلته لجوار الأديان الأخرى وان المسلمين لا ينفردون في العالم بالبقاء ولا يتسلطون على غيرهم.
التوكل على الله
وزاد: كذلك من الدروس الهامة ضرورة الجمع بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله وتجلى ذلك من خلال استبقاء النبي صلى الله عليه وسلم لعلي وأبي بكر معه حيث لم يهاجرا الى المدينة مع المسلمين فعليّ بات في فراش النبي صلى الله عليه وسلم وأبوبكر صحبه في الرحلة، وكذلك الذي ينظر في الهجرة بادئ الرأي يظن ان الدعوة الى زوال واضمحلال ولكن الهجرة في حقيقتها تعطي درسا واضحا ان العاقبة للتقوى والمتقين، فالنبي يعلم بسيرته المجاهد في سبيل الله الحق ان يثبت في وجه أشياع الباطل ولا يهن في دفاعهم وتقويم عوجهم ولا يهوله ان تقبل الأيام عليهم فيشتد بأسهم ويجلبوا بخيلهم ورجلهم فقد يكون للباطل جولة ولأشياعه صولة أما العاقبة فهي للذين صبروا والذين هم متقون ومصلحون.
كما كان في جواب النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر لما كان في الغار لما قال أبوبكر: والله يا رسول الله لو أن أحدهم نظر الى موقع قدمه لأبصرنا، فأجابه النبي مطمئنا له «ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟!» وهذا يؤكد ثبات أهل الإيمان في المواقف الحرجة واليقين بأن الله لا يتخلى عنه بخلاف أهل الكذب والنفاق الذين ينهارون عند الشدائد.
ملاقاة الإساءة بالإحسان
ويواصل الداعية القطان ذكر بعض دروس الهجرة فيقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يلقى في مكة قبل الهجرة من الطغاة أذى كثيرا فيضرب عنه صفحا أو عفوا ولما عاد الى مكة فاتحا ظافرا عفا وصفح عمن آذاه، وأيضا ان من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه فعندما ترك المهاجرون ديارهم وأهلهم وأموالهم التي هي احب شيء إليهم من أجل الله عوّضهم الله بأن فتح عليهم الدنيا وملّكهم شرقها وغربها فقامت الأمة الإسلامية واجتمع العرب على كلمة واحدة وارتفع شأنهم.
دور الشباب والنساء
ويضيف الباحث هملان الهملان موضحا دور الشباب والنساء في نصرة الحق فيقول: تجلى ذلك الدور فيما قام به علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين نام في فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة وأيضا ما قام به عبدالله بن أبي بكر حيث كان يستمع الى أخبار قريش ويزود بها النبي وأبا بكر، وقال: لقد علمتنا الهجرة كيف نربي شبابنا على التضحية والفداء وعلى اقتحام المخاطر في سبيل الحق.
أما عن دور النساء فقال الهملان: ان المواقف الشجاعة التي كشف عنها حادث الهجرة لم تكن وقفا على الرجال فنرى بطولة أسماء بنت أبي بكر التي تحدت أبا جهل وهو السيد المطاع في قومه فلم تخبره عن مكان والدها فلطمها على خدها حتى أطاح قرطها، وتحدت جدها أبا قحافة وقد جاءها شامتا ان أباها تركها دون مال يعولها فحدّت من شماتته بجمع حجارة في كوة غطتها بثوب فتحسسها الشيخ الضرير وحسبها مالا فسكت، وأيضا لا ننسى بطولة أم سلمة التي هاجرت لتلحق بزوجها بعد ان عذبها أهلها وليس معها إلا وليدها فسخر الله لها من يخدمها ويحميها «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» ونحن نعيش هذه الذكرى كل عام علينا الارتقاء بأمتنا والرقي بها ليأتي النصر المؤزر إن شاء الله.
وزاد: لنعلم ان حدث الهجرة يأتي والأمة المحمدية في مفترق الطرق ليضع أقدامها على أول الطريق الى العزة والسيادة وليعلمها كيف تبني حياتها بتخطيط وإعمال فكر مقتدية في ذلك بمعلمها ورسولها صلى الله عليه وسلم.
لا يجوز الاحتفال
وحول حكم احتفال المسلمين بالعام الهجري يؤكد الداعية أحمد الكوس ان الاحتفال بالعام الهجري واتخاذه عيدا لا أصل له في الشرع ولم يصح الاحتفال به عند أحد من الصحابة ولا التابعين ولا استحبه أو أجازه أحد من الأئمة المتبعين، والأعياد عند المسلمين عيدان: عيد الفطر وعيد الأضحى، كما ثبت في الحديث الصحيح وليس للمسلمين عيد غيرهما.
واضاف الكوس: كما ان الذين هاجروا وعرفوا أحداث الهجرة وتطورها لم يحتفلوا بذلك لأن الحدث قوى الإيمان في قلوبهم أما انهم أقاموا احتفالا أو خطبا أو تحدثوا عنه فهذا أمر لم يكن فإذا كان الصديق وعمر وعثمان وعلي ومن قبلهم إمامهم سيد الأولين والآخرين لم يضع لذلك حفلا معينا ولا خطابة معينة فإن هذا يدلنا على ان هذا أمر محدث وان الأولى بنا ألا نفعل شيئا من ذلك بل إذا تذكرنا شكرنا الله على النعمة وعلى نصر نبيه وإعلاء دينه.