يتساءل العالم هنري دي فاستري في كتابه «الاسلام خواطر وسوائح» عن عظمة تفكير الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول:
ان أشد ما نتطلع اليه بالنظر الى الديانة الاسلامية ما اختص منها بشخص النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك قصدت أن يكون بحثي أولا في تحقيق شخصيته وتقرير حقيقته الادبية علي أجد في هذا البحث دليلا جديدا على صدقه وأمانته المتفق تقريبا عليهما بين جميع مؤرخي الديانات وأكبر المتشيعين للدين المسيحي.
ثبت اذن أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يقرأ كتابا مقدسا ولم يسترشد في دينه بمذهب متقدم عليه.
ولقد نعلم أن محمدا صلى الله عليه وسلم مر بمتاعب كثيرة وقاسى آلاما نفسية كبرى قبل أن يخبر برسالته، فقد خلقه الله ذا نفس تمحضت للدين ومن أجل ذلك احتاج الى العزلة عن الناس لكي يهرب من عبادة الاوثان ومذهب تعدد الآلهة الذي ابتدعه المسيحيون، وكان بغضهما متمكنا من قلبه وكان وجود هذين المذهبين أشبه بإبرة في جسمه صلى الله عليه وسلم، ولعمري فيم كان يفكر ذلك الرجل الذي بلغ الاربعين وهو في ريعان الذكاء ومن أولئك الشرقيين الذين امتازوا في العقل بحدة التخيل وقوة الادراك، الا أن يقول مرارا ويعيد تكرارا هذه الكلمات «الله أحد.. الله أحد»، كلمات رددها المسلمون أجمعون من بعده وغاب عنا معشر المسيحيين مغزاها لبعدنا عن فكرة التوحيد.
لو رجعنا الى ما وضحه الحكماء عن النبوة ولم يقبل المتكلمون من المسيحيين لامكننا الوقوف على حالة مشيد دعائم الاسلام وجزمنا بأنه لم يكن من المبتدعين، ومن الصعب أن تقف على حقيقة سماعه لصوت جبريل عليه السلام، الا أن معرفة هذه الحقيقة لا تغير موضوع المسألة، لان الصدق حاصل في كل حال.
قوة الإيمان
لا يمكن أن ننكر على محمد صلى الله عليه وسلم في الدور الاول من حياته كمال ايمانه واخلاص صدقه، فأما الايمان فلن يتزعزع مثقال ذرة من قلبه في الدور الثاني «الدور المدني»، وما أوتي من نصر كان من شأنه أن يقويه على الايمان لولا أن الاعتقاد كله قد بلغ منه مبلغا لا محل للزيادة فيه، وما كان يميل الى الزخارف ولم يكن شحيحا، وكان قنوعا خرج من «الدنيا» ولم يشبع من خبز الشعير مرة في حياته، تجرد من الطمع وتمكن من نوال المقام الاعلى في بلاد العرب، ولكنه لم يجنح الى الاستبداد فيها، فلم يكن له حاشية ولم يتخذ وزيرا ولا حشما، وقد احتقر المال.