- الخلاف في أمور العقائد وأصول الدين والثوابت مذموم أما السائغ فهو الخلاف في فروع الدين ومسائل الفقه
- المتأمل في العراق والصومال سيرى آثار الفرقة والاختلاف المسببة لإراقة الدماء وانتشار الظلم والجرائم
- الصراخ والسباب الذي يبثه الإعلام في الحلقات النقاشية سيخرج لنا أجيالاً سيئة الأدب
لا يمكن أن تقوم للإسلام دولة ويكون لها قوة، بينما المسلمون في فرقة وخلاف، بل يجب أن يجتمعوا تحت رابطة الإيمان، الرابطة القائمة على الحب في الله والبغض في الله، تلك الرابطة التي تفوق رابطة العرق والقبيلة والنسب، هذا ما أكده الداعية د.سعد الشهراني. وأضاف أن المتأمل في أحوال الناس في العراق والصومال سيرى آثار الفرقة والاختلاف المسببة لإراقة الدماء وانتشار الظلم والجرائم، لافتا إلى صدق قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن «الجماعة رحمة والفرقة عذاب». وأوضح الشهراني أن الخلاف في أمور العقائد وأصول الدين والثوابت خلاف مذموم، بينما الخلاف في فروع الدين ومسائل الفقه خلاف سائغ يلزم من تفاوت الأفهام والعقول عند الناس، مشيرا إلى أهمية تعلم فقه الاختلاف وأدب الحوار، وحسن الاستماع للمخالف والابتعاد عن السباب والصراخ عند النقاش. «الأنباء» التقت بضيف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الداعية د.سعد الشهراني من المملكة العربية السعودية للحديث عن أهمية الاجتماع والائتلاف ونبذ الفرقة والاختلاف، وعن الآداب الإسلامية عند الاختلاف مع الآخرين، وفيما يلي تفاصيل اللقاء:
ما أهمية الاجتماع والإخاء بين المسلمين خاصة في ظل هذا الزمان الذي يعاني المسلمون فيه كثرة الشقاق والاختلاف؟
أمر الله تعالى بالاجتماع والائتلاف، ونهى عن الفرقة والاختلاف، فقال سبحانه (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)، وأمرنا رسوله صلى الله عليه وسلم بالاجتماع، فقال «يد الله مع الجماعة»، وإن اجتماع الكلمة ووحدة صف الأمة من أصول الدين وقواعده العظام، ومن يتأمل آيات الكتاب وأحاديث السنة والسيرة النبوية العطرة يجد هذا الأصل ظاهرا بينا واضحا، فقد جمع الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه في المدينة، فألف بين المهاجرين والأنصار فتوحدت دولة الإسلام.
والنبي صلى الله عليه وسلم ربى أصحابه على معنى الوحدة والائتلاف والاجتماع، يقول ابن مسعود رضي الله عنه «خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خطا، وخط عن يمينه خطا، وخط عن يساره خطا، ثم قال: هذا سبيل الله، ثم خط خطوطا، فقال: هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، وقرأ: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله، ونحن المسلمين في كل ركعة ندعو ونقول (اهدنا الصراط المستقيم)، والهداية إنما تكون بلزوم جماعة المسلمين.
وكذلك حذرنا صلى الله عليه وسلم فقال «إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم»، فالتحريش جند من جند إبليس، وهو وسيلة الشيطان الكبرى في التفريق بين المسلمين، ومع الأسف نجده واقعا في كثير من الشعوب الإسلامية، فنجدهم قد أصغوا للشيطان، فأوقعهم في الفتنة والفرقة.
فلا يمكن أن تقوم للإسلام دولة لها قوة ونحن في فرقة وخلاف، ولقد كان أول عمل قام به النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة أن وحد الصفوف وألف بين القلوب على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلم يجمعهم على لون أو عرق أو قبيلة، وإنما وحدهم على الأخوة الإيمانية، قال الله عز وجل (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم)، ألف الله بينهم برابطة الإيمان وهي أقوى من رابطة النسب والقبيلة والعرق واللون، وإنها الرابطة القائمة على الحب في الله والبغض في الله، قال صلى الله عليه وسلم «من أحب في الله وأبغض في الله، وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان»، هذه الرابطة هي مصدر قوتنا ووحدتنا.
ان وحدة الصف واجتماع الكلمة من الكليات والمحكمات في ديننا، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة».
الاعتصام بالوحيين
لكن ما هو الدواء والعلاج عند وقوع فتنة الفرقة والشقاق؟
الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأن الفتن ستكون في هذه الأمة، وأخبرنا أيضا بالدواء والعلاج الناجع لها، وهو الحفاظ على بيضة المسلمين وجماعتهم ووحدة صفهم، لاسيما إذا كان الميزان كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم القائل «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي»، فالكتاب والسنة عاصمان من الضلال والفتنة، والرجوع إلى أهل العلم الراسخين الذي يستنبطون من الكتاب والسنة يعصم كذلك من الوقوع في هذه الفتن، والمتأمل للصحابة رضي الله عنهم والتابعين وحالهم في زمن الفتنة والحروب والخلاف سيرى كيف كان مرجعهم عند الاختلاف إلى الكتاب والسنة.
تأملوا حال العراق والصومال
البعض قد يرى أن في الفرقة أحيانا مصالح، فما تعليقكم؟
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال «أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة فإنهما السبيل في الأصل إلى حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة»، إذن المفاسد التي ستحدث في الفرقة أعظم من المصالح التي قد تحدث في الفرقة، وعن النعمان بن بشير ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الجماعة رحمة والفرقة عذاب»، ما أعظمه من تصوير، وما أجمله من تعبير، «الجماعة رحمة والفرقة عذاب»، لذا تأمل أحوال الدول والشعوب المتآلفة والمتعاونة، وتأملها حينما تكون فيها نزاعات حزبية وصراعات طائفية، فعند الفرقة ينتشر الظلم وتنتشر الجرائم، تأملوا أحوال الجيران من حولنا حيث تعصف بهم الفتن والفرقة، تأملوا أحوال الناس في العراق والصومال حيث تسيل هناك الدماء.
القصور منا وليس من الدين
وهل يمكن أن نجد الحل في هذا الزمن المتأخر في الكتاب الكريم والسنة النبوية؟
إن هذا الدين صالح لكل زمان ومكان، والرسول صلى الله عليه وسلم قد أكمل شرائع الدين، وجاءنا بما يصلح أحوالنا حتى في هذا القرن الذي نعيش فيه، والقصور ليس في الدين، بل القصور فينا نحن حينما نتخلى عن هذا الدين، أو نتساهل في واجباته، أو نترك بعض ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك يقول الإمام مالك رحمه الله «لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها»، لن يصلح حالنا في هذا القرن إلا بما صلح به حال القرن الأول، أي في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، إذن علينا الرجوع إلى منهج سلف الأمة، إلى المنهج الرباني الذين زكاهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم».
وتبقى الأخوة الإيمانية
وكيف نتصرف إن وقع الاختلاف والخلاف؟
الرسول صلى الله عليه وسلم نهانا عن الفرقة، لكن الخلاف سنّة بشرية لابد أن تقع، اختلف الصحابة رضي الله عنهم فيما بينهم، وعلى الرغم من ذلك بقوا اخوة متحابين، عمر الفاروق رضي الله عنه اختلف مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه في حادثة الردة، ولكن حين رجعا إلى الكتاب والسنة انتهى الخلاف، وقد يختلف الأب مع أبنائه، والجار مع جيرانه، والتلميذ مع أستاذه، فهذا اختلاف بشري سائغ يجب ألا يعكر صفو الإخوة.
الخلاف في العقيدة مذموم
هل الخلاف كله سائغ، وعلينا تقبله والتعامل معه؟
الخلاف على قسمين، خلاف محمود سائغ، وخلاف مذموم منهي عنه، الأول هو الخلاف الذي يحصل بين العلماء في مسائل كثيرة، في الفقه وفروع الدين، وأما الثاني فهو الخلاف الذي لا يقبل، وهو الخلاف في العقيدة، والاختلاف في أصول الدين والثوابت والمحكمات فيه، فهذه لا يسوغ الخلاف فيها.
حسن الإنصات للمخالف
كيف لنا أن نتقبل الرأي الآخر، وما الطريقة المثلى لخلق مجتمع متآلف ومتآخ لا تؤثر فيه اختلافات الرؤى؟
الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في مسائل كثيرة، وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم، مثل اختلافهم في قضية الصلاة في بني قريظة، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة»، فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم بل نصلي لم يرد منا ذلك، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدا منهم، فيجب إذن أن نفقه الخلاف وأدب الخلاف، وأن تتسع قلوبنا وصدورنا للخلاف، فلا يمكن لكل هذه العقول أن تجتمع على رأي واحد، الله خالف بين ألسنتنا وعقولنا وبين مستويات تفكيرنا، ولذلك كل واحد يرى الحق من زاوية.
فعلى الأب أن يعلم أبناءه أدب الخلاف بينهم، وفي المدرسة، وفي الحي، وفي المجتمع المحيط به، فلو افترقنا في كل قضية خلافية لما تواطنا، ولما كنا إخوة نتعايش في وئام وسلام، فهذا الإمام الشافعي رحمه الله اختلف مع أحد الأئمة العلماء الكبار، فلما لاقى ذلك العالم ووجد أنه وقع في نفسه شيء، فقال له «أما يليق وإن اختلفنا أن نبقى إخوانا»، هكذا نريد ألا تتغير القلوب بعد الاختلاف بل تجتمع.
نحتاج إلى فقه الاختلاف وأدب الحوار أثناء الاختلاف، فإن ما نسمعه في وسائل الإعلام من الصراخ والصياح والسباب والشتام سيخرج لنا أجيالا تتربى على سوء الأدب، علينا تأديب أولادنا وحثهم على حسن الاستماع والإنصات للمخالف، دون سب وشتم وتعرض للعرض، نحتاج حقا إلى العودة للهدي النبوي في التعامل مع الآخرين.