لم تعرف المرأة عشرة زوجية بالمعروف ـ كما تعنيه هذه العشرة من كمال لأحد من البشر ـ كما عرفته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، المبين للقرآن بحاله وقوله وأفعاله.
حيث «كان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم معهن أنه جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله ويتلطف بهم، ويوسعهم نفقته، ويضاحك نساءه، حتى انه كان يسابق عائشة أم المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ في البرية في بعض سفراته يتودد إليها بذلك، قالت: «سابقني رسول الله فسبقته فلبثت حتى إذا أرهقني اللحم أي سمنت سابقني فسبقني فقال: هذه بتلك، يشير إلى المرة الأولى».
الراوي: عائشة ـ خلاصة الدرجة: صحيح ـ المحدث: الألباني ـ المصدر: غاية المرام ـ الصفحة أو الرقم: 377
وكان يجمع نساءه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد يضع عن كتفيه الرداء وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلا قبل أن ينام يؤنسهم بذلك صلى الله عليه وسلم «قاله الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى».
ولقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم معيار خيرية الرجال في حسن عشرة الزوجات فقال: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي».
الراوي: عائشة ـ خلاصة الدرجة: حسن غريب صحيح ـ المحدث: الترمذي ـ المصدر: سنن الترمذي -ـ الصفحة أو الرقم: 3895.
وذلك لأن التصنع والتظاهر بمكارم الأخلاق يضعف حين يشعر الإنسان بأن له سلطة ونفوذا ثم يشتد ضعفا حينما تطول معاشرته لمن له عليه السلطة، فإذا ظل الإنسان محافظا على كماله الخلقي في مجتمع له عليه سلطة، وله معه معاشرة دائمة ومعاملة مادية وأدبية، فذلك من خيار الناس أخلاقا.
فإن كان النبي صلى الله عليه وسلم خير الناس لأهله، فإن معاشرته لهم لا بد أن تكون مثالية حقا، في كل ما تعنيه الخيرية من كمال خلقي في السلوك، والتعامل الأدبي، والتعاملي، من محبة وملاعبة، وعدل ورحمة، ووفاء، وغير ذلك مما تقتضيه الحياة الزوجية في جميع أحوالها وأيامها، كما أوضحت ذلك كتب السنة والشمائل والسيرة، وذلك هو ما دلت عليه السنة المشرفة بأحاديثها الكثيرة من سلوكه صلى الله عليه وسلم معهن ومعاملته لهن.
(أ) فعن محبته لهن يحدث أنس بن مالك رضي الله عنه فيقول:
1- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «حبب إلي من الدنيا: النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة» الراوي: أنس بن مالك ـ خلاصة الدرجة: إسناده قوي ـ المحدث: الذهبي ـ المصدر: ميزان الاعتدال ـ الصفحة أو الرقم: 2/177.
2- وسأله عمرو بن العاص رضي الله عنه قائلا: «أي الناس أحب إليك؟ قال: «عائشة»، قلت: من الرجال؟ قال: «أبوها»، قلت: ثم من؟ قال: «عمر»، فعد رجالا، فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم»
الراوي: أبو عثمان النهدي ـ خلاصة الدرجة: صحيح ـ المحدث: البخاري ـ المصدر: الجامع الصحيح ـ الصفحة أو الرقم: 4358.
(ب) أما ملاعبته أهله فتحدثنا عنها عائشة ـ رضي الله عنها ـ فتقول:
1- كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل ينقمعن منه، فيسربهن إلي فيلعبن معي.
الراوي: عائشة ـ خلاصة الدرجة: صحيح ـ المحدث: الألباني ـ المصدر: صحيح الأدب المفرد ـ الصفحة أو الرقم: 283.
2- وقالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، فزجرهم عمر رضي الله عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم «دعهم، أمنا بني أرفدة» يعني من الأمن.
الراوي: عائشة ـ خلاصة الدرجة: صحيح ـ المحدث: البخاري ـ المصدر: الجامع الصحيح ـ الصفحة أو الرقم: 3529.
وفي لفظ قالت: «لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي، ـ والحبشة يلعبون بحرابهم، في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلمـ يسترني بردائه، لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، الحريصة على اللهو».
الراوي: عائشة ـ خلاصة الدرجة: صحيح ـ المحدث: مسلم ـ المصدر: المسند الصحيح ـ الصفحة أو الرقم: 892.
3- وقد مر حديث مسابقته صلى الله عليه وسلم لعائشة ـ رضي الله عنها ـ الدال على لعبه صلى الله عليه وسلم مع نسائه بنفسه الشريفة تلطفا بهن، وتأنيسا لهن، لكريم عشرته وعظيم رأفته ورحمته.
4- ومن حسن عشرته وكريم خلقه صلى الله عليه وسلم ما أفادته السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ بقولها: «كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه على موضع في، فيشرب، وأتعرق العرق وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم. فيضع فاه على موضع في».
الراوي: عائشة ـ خلاصة الدرجة: صحيح ـ المحدث: مسلم ـ المصدر: المسند الصحيح ـ الصفحة أو الرقم: 300.
وفي رواية: «كنت أتعرق العرق وأنا حائض فأعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع فمه في الموضع الذي وضعت فمي فيه، وكنت أشرب من القدح فأناوله إياه فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشرب». أبو داود.