يملك الاسلام عناصر الحياة الذاتية كما يملك القدرة على التنافس الحضاري، بل الاستيعاب الحضاري، وقد افادت الحضارة الاسلامية مما سبقها من رصيد حضاري، واعتبرت صالحه رصيدها ثم بنت عليه ما يزيده صلاحا ونماء وقوة، ولم تحاول استلابه، او طمس معالمه، بل نسبت التراث الفكري والحضاري لاهله، وحركة الترجمة خير شاهد، ومصنفات علماء المسلمين دليل ناصع، لقد استطاع الاسلام ان يمزج بين الموروثات وينخلها ويغربلها فما صلح ارتضاه، وما فسد اصلحه او استبدله.
ترك للناس دينهم وعرض عليهم الاسلام فمن ارتضاه دخله، ومن اباه عاش بعزته وكرامته في ظل دولة الاسلام كما سنوضح طرفا منه لاحقا.
ولا يفهم من مواجهة الاسلام صراع الحضارة اليوم انه سينافس منذ الوهلة الأولى في الماديات والتقنيات او وسائل الاتصال الحديثة، فهذه بضاعة لا يحسن المسلمون اليوم الا استهلاكها، ولا ريب ان التفكير في المنافسة- آنيا- لا محل له واقعا، والخصوم حين تكلموا عن صراع الحضارات انما يعنون الاسلام اليوم لا غير، ومن قال غير ذلك مخطئ، ولسنا هنا بصدد التدليل على ذلك وانما الاشارة الى انهم يقصدون بالصراع الاسلام، لانهم يدركون انه الدين والمنهج الوحيد الذي يملك ما لا يملكون، يملك البديل عما يقدمون من فكر وتصور للكون والحياة ويعلمون ان هذه هي المنافسة الحضارية الدائمة، واما غيرها فمؤقت ومتغير.
انهم يقرأون التاريخ، ويدركون ان الاسلام يملك اسباب الحياة التي ابقت عليه حيا، رغم موت اهله جهلا وفرقة، في الوقت الذي اندثرت فيه حضارات سبقته، ولم يبق منها شيء يؤثر، اما اهلها او اتباعها فلا وجود حضاريا لهم يذكر ولا بضاعة فكرية او عقائدية يمكن ان تحدد الاتباع والانصار وتقوى على منافسة التصورات والآراء والفلسفات المعاصرة او ان تكون بديلا عن شيء منها.
ان الغرب الحضاري لا ينظر الى المسلمين باعتبار واقعهم المزري، فهو يعلم ان الاسلام يندفع بدونهم، ويعلم ان انتشار الاسلام في دياره الاميركية والغربية كان وما يزال ينمو وينتشر بجهود فردية او جماعية محدودة لا تتعدى عدة جمعيات خيرية ودعوية واتحادات طلابية ومؤسسات ومراكز دعوية لا تكاد حركتها الحقيقية تستند الى جهود دول عربية او اسلامية، بل تعتمد على جهودها المحدودة مع عدم التفرغ لهذا المقصد الدعوي والانشغال عنه بطلب العيش او طلب العلم باعتباره مقصدا رئيسيا.
وهذا الذي يخيف، وهذا الذي يجعل الحسابات معقدة والخطط متوالية لئلا تقوم لهذا الدين دولة تتبناه حقا وواقعا ثم هي تنطلق به تصديرا ورعاية مالية واعلامية وفكرية او قل تتحرك به جهادية على مستوى تصدير المعتقد والتصور فكريا ونظريا، وما الاثارات التي يفتعلونها باسم الارهاب تارة وباسم ديموقراطية المشرق تارة اخرى وبواجهات متعددة الا ترهيب للدول من ان تسند هذه الجهود الدعوية في بلادهم، بل حمل لها على ان تضيق عليها او تغلق ما تستطيع منها.
ان ارباب الصراع الحضاري يريدون ان يصرعوا الاسلام كما صرعوا اهله، ويعلمون في الوقت ذاته انهم سيدخلون صراعا لا يملكون فيه ادوات النصر المحققة، كما ملكوها مادة، انهم مدركون - لا ريب - وبشهادات مفكريهم وسياسييهم انها معركة صراع طويل مرير، وان الانتصار فيها مشوب مظنون، وربما كان هزيمة آخر المطاف، وعلى الخصوص اذا استيقظ اهل الاسلام واخذوا كتابه بقوة، واول عناصر اخذ كتابهم بقوة التعاون والوحدة والإقبال على ذكر الله، كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم حَبْلَيْ النجاة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.