- النشمي: حذار من ترك الفتوى لكل شخص متوسط الثقافة الشرعية
- الطبطبائي: الفتاوى التي تصدر من غير المؤهلين تثير الفتن والقلاقل في المجتمع
- المسباح: هناك شروط حددها العلماء لا بد أن يتحلى بها المفتي
- معرفي: يجب أن تُحصر الفتاوى في أشخاص معدودين يكون كلامهم ملزماً لا يجوز تجاوزه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اجرؤكم على الفتوى اسرعكم الى النار»، هل اصبح الافتاء مهنة من لا مهنة له؟ وهل كل من حفظ من القرآن الكريم بعض آياته ويقرأ في السنة يعطي لنفسه حق التصدي للافتاء؟
استطلعنا آراء العلماء حول انتشار الظاهرة والشروط الواجب توافرها فيمن يتصدى للافتاء، وهل يجوز فتح باب الاجتهاد على مصراعيه دون شروط او ضوابط؟ وهل هناك علاقة بين تعدد جهات الفتوى وعدم اتفاقها في كثير من الامور وبين الازمة الفكرية التي تعيشها الامة الاسلامية الآن؟
رئيس رابطة علماء الشريعة لدول مجلس التعاون الخليجي والعميد السابق لكلية الشريعة والدراسات الاسلامية د.عجيل النشمي يقسم الفتاوى الى نوعين: نوع فردي محدود في قضايا الحلال والحرام في قضايا العلاقات الاسرية والزوجية، وهذه يكفيها المفتون في كل بلد لأنها مما يقبل الاختلاف فيها، ويكفي ان يدلوا بدلوهم فيها، والنوع الثاني من القضايا هي قضايا المستجدات المعاصرة المعقدة كالقضايا الطبية والاقتصادية وقضايا البنوك، وهذه تحتاج الى نوعين من جهات الفتوى، اولهما هيئات الفتوى في هذه المؤسسات خاصة الاقتصادية فإنها تعنى بالقضايا اليومية التي قد تعترض مسيرة البنوك والمؤسسات الاسلامية الاقتصادية، والنوع الثاني لا يصلح له الا المجامع الفقهية الشاملة التي لا يستطيع الفقيه وحده ان يفتي فيها، ويحتاج اما رأي الطبيب في القضايا الطبية او الاقتصادية ويحتاج الى تجمع عدة آراء في الموضوع الواحد ليثري النقــاش والحــوار ثم الخروج برأي موحد مجمــع عليه، واختياره الاغلبية ويحتاج المشـــاركون هنا الى ان يكونوا من الراسخين في العلم دون ان يكون هناك اي تأثير خارجي عليهم، ســـواء أكان سياسيـــا ام غير سيـــاسي، واعتقد ان مجمع الفقه الاسلامي خير مثال ناجح في هذا الخصوص.
وحذر د.النشمي من ترك الفتوى لكل شخص متوسط الثقافة الشرعية، مؤكدا ضرورة ان يكون الشخص المتصدي للافتاء مؤهلا مشهودا له بالصلاح له ممارسات في العلوم الشرعية ويستطيع النظر في ادلة الاحكام ومعرفة الراجح من المرجوح مع العلم بالواقع الذي نعيشه ويقع السؤال في محيطه.
دور العلماء
وعن دور العلماء في توعية الشباب وتصحيح المفاهيم لديهم، بين العميد السابق لكلية الشريعة والدراسات الاسلامية د.محمد الطبطبائي، ان المسؤولية تقع على وسائل الاعلام التي تنشر الفتاوى لمن هم ليسوا اهلا للفتوى، وعليهم عدم نشر هذه الفتاوى الا بعد التأكد من الشخص الذي افتى، وان يكون هذا الانسان موثوقا في علمه ودينه، وتنطبق عليه شرط المفتي، واضاف: خطابنا كعلماء لمن يسمعنا ويصغي لنا، ولابد ان تكون هناك دورات في وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية للخطباء لرفع المستوى العلمي لديهم واحاطتهم بالمستجدات التي تمر بها الدول الاسلامية اولا بأول، حتى تكون آراؤهم موافقة لذلك، وطالب بضرورة ايجاد ميثاق بين الجهات المختصة لمعرفة ما هذه الفتاوى وما الذي يستحق النشر، حتى لا يقع الناس في الخطأ.
التصدي للإفتاء
واشترط د.الطبطبائي فيمن يتصدى للافتاء ان تتوافر فيه شروط الفتوى ويشهد له العلماء الموثوقون بأنه اهل لها، لأن الفتوى امرها خطير ولها شأن عظيم ولها ضوابط واحكام، وينبغي ان تعطى قدرها من المسؤولية حتى لا يكون هناك انفلات فيها من غير المؤهلين الذين يطلقون الفتاوى المثيرة للفتن والقلاقل في المجتمع، وتُوقِع الناس في حيرة وقلق وتكون لها آثار سلبية ضارة، لذلك أطالب بأن يمنع ولي الامر من ليس اهلا للفتوى لانه يضر نفسه ومجتمعه ويشوش على الناس في امور دينهم، ولفت الى ان القنوات الفضائية قد ادخلت على الساحة الدعوية والاعلامية من ليسوا من اهل الفتوى من غير المختصين والعلماء، واعتلوا هذه المنابر الاعلامية فأصدروا الفتاوى التي تضر بالمجتمع وثوابته، وحث الناس على ان ينظروا فيمن يأخذون عنه دينهم، فان «الفتوى دين».
بدعة جديدة
من جانبه، يصف استاذ التفسير في كلية الشريعة د.سليمان معرفي مصطلح «تعدد جهات الفتوى» بأنه بدعة جديدة ما سمعناها من قبل، ويتساءل: من قال ان الفتوى محصورة بين الشخص او في جهة او في لجنة، لا يجوز لأحد ان يتكلم او يجيب عن اسئلة الناس الا من خلالها؟ من قال بذلك؟ وهل كان للفتوى مصدر ايام الخلافة الراشدة؟ ام ان الصحابة كانوا يفتون الناس كل بما لديه من علم؟
ومضى د.معرفي يقول: ان حصر الفتوى في مرجعية وتكميم الافواه مسألة حادثة يرددها البعض لهوى في نفوسهم ولمصالح حزبية او ذاتية.
وتابع: نحن مع النظام وعدم الفوضى في اصدار الفتاوى هكذا من كل من هب ودب، ولكن ان تحصر الفتاوى في اشخاص معدودين يكون كلامهم ملزما لا يجوز تجاوزه، فهذا لم يقبل به احد من الاولين، خصوصا اننا نعلم تماما ان اجتهاد المجتهد غير ملزم لغيره، والا فمتى اتفقت جهات الفتوى وفي اي عصر كان هذا؟ ولماذا اصبحت للمسلمين مذاهب اربعة مختلفة في كل شيء؟ هل لأن مصدر الفتوى كان واحدا؟ الجواب: لا.
واعتبر د.معرفي ان الاسلام ليس فكرا ولا يجوز ان نصفه بذلك، فالاسلام دين الله تعالى وشرعه ونظامه وليس فكرا لمخلوق، مشيرا الى ان الفكر الاسلامي بدعة اوجدها المفتونون بالغرب وحضارته ممن فاتهم قطار العلم الشرعي وارادوا ان يجدوا لهم مكانا بين الامة فابتدعوا مرتبة المفكر، وهم ينطلقون من الغرب الكافر وحضارته، واضاف: ان دين الله تعالى واضح لا لبث فيه ولا غموض ولا تعقيد، ولكن الانهزامية التي اصابت بعض المسلمين المفتونين بحضارة الغرب الزائفة هي التي جعلتهم يطلقون هذه العبارات ليوجدوا لهم مكانا في الامة، ومن لم يمكن ان نقول ان الامة الاسلامية تعيش ازمة فكر، بل تعيش ازمة بعد عن منهج الله تعالى، وازمة جرأة على الدين نتيجة للتلوث بالحضارة الغربية، وقال د.معرفي: القرآن الكريم هو كتاب الله الخالد وهو دستور الامة وحياتها ولا يمكن الاعتماد عليه وحده في الافتاء في شؤون الامة الا وهو مقرون بالسنة النبوية الصحيحة، ودل على ذلك القرآن والسنة، وأقوال الصحابة، قال تعالى (ونزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم).
ففي القرآن احكام واضحة عن الحلال والحرام، وهناك احكام تحتاج الى توضيح وهناك في القرآن امور يصل اليها المؤمن بما اتاه الله تعالى من نور وهداية لا تتعلق بالاحكام والتشريعات والعقائد والغيبيات، بل يشعر بها ويتذوقها من يقرأ بخشوع وحضور قلب، واخلاص نية، وهي التي قال عنها علي بن ابي طالب كرم الله وجهه «او فهما اوتيه المرء في كتاب الله تعالى».
فالقرآن والسنة لا يفترقان لا في عصر الحداثة ولا في غيره من العصور، والاسلام بمصدريه حجة الله تعالى على خلقه في جميع العصور والازمان من وضع حكيم عليم خبير.
اختلاف الفقهاء
عن أسباب اختلاف الفقهاء في بعض الأمور الفقهية يقول الداعية د.ناظم المسباح إن سبب الاختلاف يعود إلى عوامل عديدة منها: عدم توافر الدليل «الحديث الشريف» أو توافره عن طريق لا يطمأن إليه، ونسيان الدليل عند الاستدلال مع وصوله إليه، وأن يكون الدليل قد توافر لمن افتى وفهم منه خلاف المراد، وأن يبلغه الدليل لكنه منسوخ ولم يعلم بالنسخ، وأن يبلغه الدليل ولكن يعتقد انه معارض بما هو اقوى منه من نص او اجماع، وأن يستدل الفقيه بحديث ضعيف او يستدل استدلالا ضعيفا.
الأصول التي اصلها بعض الفقهاء ولم يرها آخرون ومن اراد التوسع في الاجابة عن هذا السؤال فليقرأ كتاب «رفع الملام عن الأئمة الأعلام» لابن تيمية فإنه قيم، أما فيما يتعلق بمواصفات المفتي فقد اوضح د.المسباح ان علماءنا رحمة الله عليهم ذكروا شروطا للمفتي ومنها على سبيل المثال: الاسلام والتكليف والعدالة وهي مجمع عليها، الاجتهاد وهذا عند الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد، وأهلية الاجتهاد تحصل بأمور منها: العمل بالكتاب والسنة، العلم بلسان العرب، العلم بأصول الفقه، العلم بأقوال أهل العلم المتفق على علمهم وعدالتهم، جودة القريحة واليقظة وكثرة الإصابة، وهناك تفاصيل كثيرة متعلقة بالموضوع، ولمن يريد الزيادة يراجع كتاب «الفتيا ومناهج الإفتاء» للدكتور محمد الأشقر.
من أعظم الجرائم
قال العلامة بن باز، رحمه الله، عن الفتوى بغير علم
«ومن اعظم الجرائم: الفتوى بغير علم فكم ضل بها من ضل وهلك بها من هلك لاسيما اذا كانت الفتوى معلنة على رؤوس الاشهاد وممن قد يغتر به بعض الناس فان الخطر عظيم والعواقب وخيمة».
وعلى المفتي بغير علم مثل آثام من تبعه كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: «من أفتى بفتيا غير ثبت فانما اثمه على من افتاه» وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: «من دعا الى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» وقد اعظم الله سبحانه وتعالى شأن الفتوى بغير علم وحذر عباده منها وبين أنها من أمر الشيطان قال تعالى: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون... الاعراف 33).
وقال العلامة بن عثيمين، رحمه الله، و«وان من اكبر الجنايات ان يقول الشخص عن شيء انه حلال وهو لا يدري ما حكم الله فيه، أو يقول عن الشيء انه حرام وهو لا يدري عن حكم الله فيه، أو يقول عن الشيء انه واجب وهو لا يدري ان الله اوجبه، ويقول عن الشيء انه غير واجب هو لا يدري ان الله لم يوجبه، ان هذه جناية وسوء أدب مع الله - عز وجل..».