- الجميعة: من ذاق حلاوة العبادات التي أداها في شهر رمضان فسوف يتمسك بها طوال العام
- بوحمرا: العبادة لا تختزل في شهر والتدين الظاهري من قبيل النفاق
- العنجري: شهر رمضان تدريب عملي لإحسان الطاعة والعبادة لمواصلة السير في الطريق المستقيم
- المعيوف: العبادة المفروضة على المسلم يجب أن تدوم وألا ترتبط بمواقيت أو مواسم
لماذا تزداد الطاعة في شهر رمضان وبانتهائه تقل الطاعات، ونرى جنوح بعض المسلمين نحو التدين المؤقت والمرتبط بالزمان والمكان، خاصة في شهر الطاعات الذي يتجلى في المحافظة على الصلاة في المسجد وقراءة القرآن وارتداء الحجاب دون غيره من شهور السنة؟ حول هذه الظاهرة نتعرف على علماء الإسلام.
الغاية من العبادة
يؤكد استاذ الفقه د.جلوي الجميعة ان المسلم الصادق الذي يغتنم شهر الصيام يخرج من رمضان وقد ظهرت عليه آثار المغفرة وآثار العتق من النار وآثار التوبة وصار أحب الى الله واقرب اليه وأسرع الى مرضاته، خرج مغفورا له محبا لربه مقبلا عليه متعلقا به متوكلا عليه واثقا فيما عنده قد امتلأ قلبه بمحبته ومن نوره ومن ذكره ومن الطمأنينة له ومن الانس به والشوق الى لقائه والاستعداد لهذا اللقاء والمسارعة الى طاعة وبذل المال والنفس.
ويضيف ان المسلم اذا ذاق حلاوة العبادات التي أداها في شهر رمضان إيمانا واحتسابا وتقربا الى الله فإنه سوف يتمسك بالاستمرار فيها طوال العام فيحرص على صيام يومي الاثنين والخميس أو ثلاثة أيام من كل شهر، فمن شعر بحلاوة العبادة سيستمر فيها طوال العام، مشيرا الى ان علامات قبول الطاعة هي التي تدفع المسلم الى الاستمرار في العبادات والطاعة.
وحذر الجميعة من الغرور بالطاعة التي أداها المسلم في الشهر الكريم فيقول في نفسه: انا قد خرجت من رمضان وقد وفقت الى العمل الصالح، وفعلت كذا وكذا من الأعمال الصالحة، ويؤكد له الشيطان انه فعل الكثير من الخيرات وعليه ان يكتفي بذلك وهذه ليست الا مجرد تلبيسات أخرى من الشيطان ليقعد المسلم عن العمل وعن مواصلة السير الى الله تعالى: (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون إيمانكم دخلا بينكم ان تكون أمة هي أربى من أمة).
من قبيل النفاق
وتقول رئيسة ادارة التنمية الاسرية بوزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية سعاد بوحمرا: شهر رمضان كسائر اشهر السنة كلها محل للتكاليف الشرعية من الصلاة والزكاة والصدق وبر الوالدين وصلة الارحام وغير ذلك من تكاليف الشريعة، اما ان يكون الالتزام بالتكاليف على وقت معين وشهر معين كشهر رمضان وتختزل العبادة فيه واظهار التدني الظاهري فهذا من قبيل النفاق، لذا لا ينبغي افراد شهر رمضان بالطاعات دون بقية اشهر السنة، لأن الذي كلف بهذه الطاعات كلف بها في كل احوال المسلم وفي كل الازمان، ولا يوجد في شهر رمضان مضاعفة للحسنات الا في ليلة القدر فقط، ومن يفرد رمضان بالعبادة دون بقية اشهر السنة فقد ظلم نفسه، فإن جميع الاوقات قد يضاعف الله تعالى فيها الحسنات وهذه الحسنات قد يضاعف الجزاء فيها الى 70 ضعفا كما قال سبحانه وتعالى، ولهذا فإن الفهم الخاطئ للبعض بأن الثواب يضاعف في رمضان فهم خاطئ وليست هناك مضاعفة الا في ليلة القدر وهي خير من الف شهر.
واذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قال ان عمرة في رمضان تعادل حجة، فإن كثيرا من الاعمال في زماننا هذا تفتقر الى النفقة والمال ويفوق مئات من العمرة في ثوابه عن رمضان وهو مساعدة المحتاجين لحفظ انفسهم وحفظ النفس فرصة على من يستطيع ذلك من المسلمين بخلاف اداء العمرة فإنها سنة عند جمهور المسلمين، ومن المعروف ان الفرض مقدم في التحصيل على السنة.
ولفتت بوحمرا إلى ان العبادة في المواسم امر مطلوب ولا ينبغي التنفير منها بل يجب تشجيعها والحث عليها، فالله عز وجل قد قدم للناس اوقاتا مباركة وخص لهم اماكن مباركة فيها يتضاعف العمل ويعظم الثواب ويقف الانسان فيها موقف الحساب مع النفس لمراجعة ما تم عمله او ما سيقوم بعمله، سواء كان هذا في شهر رمضان ويوم الجمعة او في غيرهما، وهذا فيما يتعلق بالازمنة او الكعبة المشرفة وهي تعبير عن الامكنة المباركة، ويجب على المسلم ان يكثر من الطاعة وفعل الخيرات في هذه المواسم الزمانية او المكانية، لكن ان يقتصر المسلم في عبادته وطاعته وتدينه على هذه المواسم فهذا خطأ، ولذلك فعلى المسلم ان يواصل مسيرة النقاء والطهر في حياته كلها حتى يحقق قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن».
اليقظة الدينية
وشددت على ان اليقظة الدينية والروحية مطلوبة في حياة المسلم كلها حتى يحقق قول الله عز وجل: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)، لكن للاسف الشديد فإن بعض الناس تقتصر علاقتهم بالله سبحانه وتعالى على شهر رمضان المعظم او موسم الحج فنراهم يصلون ويكثرون الحضور في المساجد وهو يصلي ويمسك بكتاب الله الكريم او نجد المرأة تلتزم بالحجاب في رمضان ثم تخرج في المساء سافرة وهذا كله خلل في الفهم والتفسير والادراك لقيم الدين، لأن رب رمضان هو رب الاشهر والسنوات كلها.
موسم الطاعات
من جانبها، تقول الداعية د.منال العنجري: شاءت ارادة الله سبحانه وتعالى ان يجعل شهر رمضان وهو شهر القرآن وهو افضل اشهر السنة على الاطلاق، فيه يتجلى الله على عباده المؤمنين ويرفع درجاتهم ويقبل دعواتهم مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: « أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء وينظر الله تعالى الى تنافسكم ويباهي بكم ملائكته فأروا الله تعالى من أنفسكم خيرا فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل»، فالله سبحانه وتعالى له في ايامنا نفحات تأتينا نفحة بعد نفحة، ومن اعظم مواسم الخيرات التي يتيحها الله سبحانه وتعالى لعباده هو هذا الشهر الكريم المبارك الذي فضله الله سبحانه بنزول اعظم الكتب كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، الدستور الخالد لهداية الخلق وقانون السماء الذي لا تزيغ به الاهواء، قال عز من قائل: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس)، واذا كان رمضان هو موسم الخيرات وموسم المتقين والصالحين فمن الواجب على المسلم ان يشد ازره في هذا الموسم ويترقبه ويزيد من نشاطه وعبادته، لأن ابواب الخير مفتوحة وابواب الجنة مفتوحة وابواب النار مغلقة والشياطين مقيدة، وفي هذا دلالة على ان اسباب الخير كلها متوافرة، فالمسلم في رمضان يرتقي ويتطهر ويتوب وتحلق روحه في الملأ الاعلى ذلك ان الصيام والقيام يؤديان الى مغفرة الله سبحانه وتعالى، فاذا اراد العبد ان يخرج من هذا الشهر مغفورا له فعليه ان يصوم صوم المحتسبين، وعليه يحب على من عاش مع الله تعالى في هذا الجو الروحاني في شهر المغفرة يجب عليه ألا ينقص عهده مع الله تعالى بعد شهر رمضان فيجب عليه أن يداوم على الالتزام بالعبادة وقراءة القرآن وألا يغير سلوكه ومنهجه في الحياة وذلك أن شهر رمضان بمثابة التدريب العملي لإحسان الطاعة والعبادة فليخرج منه المؤمن وهو في قمة العزيمة والإرادة على مواصلة السيرة في الطريق المستقيم ذلك لأن رب شهر رمضان هو رب الشهور كلها، فهل يليق بالإنسان المسلم الذي عاش مع ربه جل في علاه وتذوق لذة العبادة هل يليق أن يبتعد عن ربه بعد شهر رمضان وأن ينقض العهد؟ إن هذا هو طبع اللئيم فالله سبحانه وتعالى مطلع علينا ويراقب تصرفاتنا وأعمالنا فهو القائل سبحانه: (وهو معكم أينما كنتم) فلا يصح أبدا لإنسان مسلم أن يهجر بيت الله عز وجل بعد شهر رمضان هذا البيت الذي أحس فيه بالنفحات والبركات مصداقا لقوله سبحانه في الحديث القدسي: «إن بيوتي في أرضي المساجد، وإن زواري فيها عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته، ثم زارني في بيتي، فحق على المزور أن يكرم زائره»، فإذا كان الله عز وجل قد أكرم عبده في شهر رمضان بالمواظبة على العبادة والطاعة وعاش العبد في هذا الجو فكيف يغادر هذا الجو الرباني وهذه النفحات والبركات؟! ثم إن الله سبحانه وتعالى وهو الكريم لم يقطع مدده عن عبده بعد شهر رمضان ولم يقطع الرزق عليه بعد شهر رمضان ولم يقطع عنه النعم فكيف بالعبد بعد شهر رمضان ينقطع عن العبادة والطاعة التي هي سبب في رضا ربه عنه وكيف بالفتاة المسلمة التي تابت واستراحت نفسيا في شهر رمضان والتزمت بأخلاق الإسلام كيف بها تعيش طريدة بعيدة عن ربها في غير رمضان وقد اكرمها الله بالتوبة النصوح؟! فتوبوا لله جميعا ايها المؤمنون لعلكم تفلحون فحتى لو حدث من الإنسان قصور بعد شهر رمضان أو فتور في العبادة فيجب عليه أن يرجع إلى الله عز وجل ويطلب منه العفو والمغفرة فبابه مفتوح للسائلين وأن يستغفر ربه عن الإهمال والتقصير في حق الله تعالى مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة».
عبادة موسمية
ويذكرنا الداعية حسين المعيوف بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «أفضل الأعمال أدومها وإن قل» ولما كانت العبادة مفروضة على الإنسان المؤمن فيجب ألا يرتبط بمواسم أو مواقيت يحددها هو لأن الله تبارك وتعالى ما خلق الإنسان إلا ليكون عابدا له عز وجل فهو المعبود بحق فيقول سبحانه: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) والنداء في القرآن الكريم جاء في قوله عز وجل: (يأيها الناس اعبدو ربكم) وعبادته عز وجل تأتي بالالتزام بالأوامر والانتهاء عما نهى عنه، وحركة الحياة الدنيا داخلة في مفهوم العبادة ومن المؤسف أن نجد أناسا في شهر رمضان يزدادون قربا من الله ثم بعد رمضان ينصرفون عن الطاعات، وأرى أن من يعبدون الله في المواسم كمن يعبدون الله على شفا حرف لأن العبادة لها صفة الدوام والاستمرار ولو كانت قليلة، ولذلك نحذر الشباب خاصة الذين يصلون ويقبلون على الطاعات والتقرب إلى الله في مواسم الامتحانات وبعدها يتركون الصلاة فهو صلى وصام لأمر كان يطلبه فلما انقضى الأمر لا صلى ولا صاما، فالعبادة الدائمة لله سبحانه وتعالى خير وأفضل وأحب إلى الله من العبادة المنقطعة الموسمية.