بقلم .. الداعية خالد الخراز
الشهادة امرها عظيم، وشأنها جسيم، أوصانا الله سبحانه بأن نشهد بالحق، وننطق بالعدل، فلا نحيد عن ذلك، كما أن اقامة الشهادة مرضاة للرب، ومسخطة للشيطان، وإقامة للعدل ودفع للظلم.
كما أن الشهادة تعين على أداء الحقوق الى اهلها، وكتمها اثم عظيم وشر مستطير، والعدل مبني على إقامة الشهادة بالحق، وبالعدل تقوى الأمم، وترتقي بأخلاقها.
قال سبحانه: (يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا) النساء: 135.
يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا (قوامين بالقسط شهداء لله) والقوام صيغة مبالغة، أي: كونوا في كل أحوالكم قائمين بالقسط الذي هو العدل في حقوق الله وحقوق عباده، فالقسط في حقوق الله الا يستعان بنعمه على معصيته، بل تصرف في طاعته.
والقسط في حقوق الآدميين أن تؤدي جميع الحقوق التي عليك كما تطلب حقوقك.
فتؤدي النفقات الواجبة، والديون، وتعامل الناس بما تحب ان يعاملوك به، من الأخلاق والمكافأة وغير ذلك.
ومن أعظم أنواع القسط القسط في المقالات والقائلين، فلا يحكم لأحد القولين أو أحد المتنازعين لانتسابه أو ميله لأحدهما، بل يجعل وجهته العدل بينهما، ومن القسط اداء الشهادة التي عندك على اي وجه كان، حتى على الأحباب بل على النفس، ولهذا قال: (شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما) أي: فلا تراعوا الغني لغناه، ولا الفقير بزعمكم رحمة له، بل اشهدوا بالحق على من كان.
والقيام بالقسط من اعظم الأمور وأدل على دين القائم به، وورعه ومقامه في الاسلام، فيتعين على من نصح نفسه وأراد نجاتها أن يهتم له غاية الاهتمام، وأن يجعله نصب عينيه، ومحل إرادته، وأن يزيل عن نفسه كل مانع وعائق يعوقه عن إرادة القسط أو العمل به.
وأعظم عائق لذلك اتباع الهوى، ولهذا نبه تعالى على إزالة هذا المانع بقوله: (فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا) أي: فلا تتبعوا شهوات أنفسكم المعارضة للحق، فإنكم إن اتبعتموها عدلتم عن الصواب، ولم توفقوا للعدل، فإن الهوى إما أن يعمي بصيرة صاحبه حتى يرى الحق باطلا والباطل حقا، وإما ان يعرف الحق ويتركه لأجل هواه، فمن سلم من هوى نفسه وفق للحق وهدي الى الصراط المستقيم.
ولما بين أن الواجب القيام بالقسط نهى عما يضاد ذلك، وهو لي اللسان عن الحق في الشهادات وغيرها، وتحريف النطق عن الصواب المقصود من كل وجه، أو من بعض الوجوه، ويدخل في ذلك تحريف الشهادة وعدم تكميلها، او تأويل الشاهد على امر آخر، فإن هذا من اللي لأنه الانحراف عن الحق. (أو تعرضوا) أي: تتركوا القسط المنوط بكم، كترك الشاهد لشهادته، وترك الحاكم لحكمه الذي يجب عليه القيام به.
(فإن الله كان بما تعملون خبيرا) أي: محيط بما فعلتم، يعلم أعمالكم خفيها وجليها، وفي هذا تهديد شديد للذي يلوي أو يعرض، ومن باب اولى وأحرى الذي يحكم بالباطل أو يشهد بالزور، لأنه اعظم جرما، لأن الأولين تركا الحق، وهذا ترك الحق وقام بالباطل.
فالشهادة الإخبار بما شوهد أو بما يعرفه الانسان عن امر محدد، والشهادة: بيان الحق، سواء كان للإنسان او عليه او لغيره او على غيره، وقيل: هي إقرار مع العلم وثبات اليقين.
والإقرار قد يكون كذبا. ولذلك كذب اللهُ سبحانه الكفارَ في قوله: (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) المنافقون: 1.
وتضافرت النصوص في بيان أحكام الشهادة المحمودة والمذمومة: قال تعالى: (وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) الطلاق: 2، وقال سبحانه: (والذين هم بشهاداتهم قائمون) المعارج: 33.
كما حذرنـا الله من شهادة الباطل والكذب والبهتان للإيقاع بالآخرين كذبا وزورا.
قال تعالى: (واجتنبوا قول الزور) الحج: 30.
وقال سبحانـه: (والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما) الفرقان: 72.
وشهـادة الحـق مطلوبة في كل المعامـلات والعبـادات والعلاقـات، والمسلـم الذي يؤدي الشهادة على وجهها يطمئن قلبه ويرضي ربه، كما أن إقامة الشهادة علامة الجرأة ودليل القوة في الدين، والشهادة لله من ثمار اليقين وهي طاعـة لأوامر الله سبحانه.